التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٢٣
وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ
٢٤
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٢٥
قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٢٦
-الجاثية

حاشية الصاوي

وقوله: { مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ } إلخ، مفعول أول لرأيت، والمعنى: ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى، فكأنه يعبده. قوله: (من حجر) أي وغيره كالشمس والقمر من كل معبود غير الله، عاقلاً أو غير عاقل، فالكفر هو العبادة، بأن يتقرب إلى غيره كالشمس والقمر من كل معبود غير الله، عاقلاً أو غير عاقل، فالكفر هو العبادة، بأن يتقرب إلى غيره كما يتقرب إليه، وأما زيارة الصالحين والأنبياء، والصلاة والسلام على الأنبياء، دعا للغير بذلك، ولا شك أن ذلك الغير ينتفع به، والمتسبب له مثله، لما ورد: أن الملك يقول له ولك مثل ذلك، فآل الأمر إلى أن زيارة الصالحين والتوسل بهم، من جملة طاعة الله، وصاحبها محبوب لله، لأن أحب عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده، وصدق عليهم أنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل، فليست معصية فضلاً عن كونها شركاً، كما اعتقد ذوو الجهل المركب والعقيدة الزائغة. قوله: (أي عالماً بأنه من أهل الضلالة) أشار بذلك إلى أن قوله: { عَلَىٰ عِلْمٍ } من الفاعل، ويصح أن يكون حالاً من المفعول، والمعنى أضله في حال كونه عالماً بالحق غير جاهل به، فهو أشد قبحاً.
قوله: { غِشَاوَةً } بكسر الغين أو بفتحها، مع سكون الشين وحذف الألف، قراءتان سبعيتان، وقرئ شذوذاً بفتح الغين وضمها، وإثبات الألف أو بكسر الغين وحذف الألف، أو بالعين المهملة. قوله: (وبقدر هنا المفعول الثاني) أي وإنما حذف لدلالة { فَمَن يَهْدِيهِ } عليه، ولا حاجةة للتقدير، إذ يصح أن تكون هي المفعول الثاني، وقد وصفهم الله تعالى بأربعة أوصاف: الأول قوله: { ٱتَّخَذَ } إلخ، الثاني قوله: { وَأَضَلَّهُ } إلخ، الثالث قوله: { وَخَتَمَ } إلخ، الرابع قوله: { وَجَعَلَ } إلخ، فكل وصف منها مقتض للضلالة، فلا يمكن إيصال الهدى إليه بوجه من الوجوه. قوله: (إحدى التاءين) أي الثانية. قوله: (أي الحياة) بيان لمرجع الضمير، ويقال لهذا الضمير ضمير قصة. قوله: (أي يموت بعض) إلخ، دفع بذلك ما يقال إن قولهم { نَمُوتُ وَنَحْيَا } فيه اعتراف بالحياة بعد الموت، مع أنهم ينكرونها، ويجاب أيضاً: بأن الآية فيها تقديم وتأخير، أي نحيا ونموت. قوله: (أي مرور الزمان) أي فكان الجاهلية يقولون: الدهر هو الذي يهلكنا، وهو الذي يحيينا ويميتنا، ولذلك رد عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم:
"كان أهل الجاهلية يقولون: وما يهلكنا إلا الليل والنهار، وهو الذي يحيينا ويميتنا، فيسبون الدهر، فقال تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار" . والحاصل أن فرقة من الكفار يسمونه الدهرية، ينسبون الفعل ضراً أو نفعاً للزمان، فرد عليهم بما تقدم. قوله: (المقول) أي وهو قولهم { مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } إلخ. قوله: (واضحات) أي ظاهرات. قوله: (حال) أي من { ءَايَٰتُنَا }.
قوله: { مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ } بالنصب خبر { كَانَ } وقوله: { إِلاَّ أَن قَالُواْ } اسمها، أي إلا قولهم، وتسميتها حجة على سبيل التهكم، أو على حسب زعمهم. قوله: { ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ } أي الذين ماتوا قبلنا. قوله: { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ } رد لقولهم: { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ }. قوله: (وهم) أي الأكثر، وجمع باعتبار المعنى.