التفاسير

< >
عرض

وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ
١٤
أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
١٥
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ
١٦

حاشية الصاوي

قوله: { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ } تقدم الكلام عليهم في الشعراء. قوله: (أي الغيضة) أي وهي الشجر الملتف، وهي هنا بأل المعرفة، وفي ص والشعراء بأل ودونها قراءتان سبعيتان. قوله: (هو ملك كان باليمن) وقيل نبي وهو تبع الحميري، واسمه أسعد، وكنيته أبو قرن. قوله: { كُلٌّ } التنوين عوض عن المضاف، أي كل أمة، والمراد بالكل الكل المجموعي. قوله: { كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } أي ولو بالواسطة كتبع. قوله: { فَحَقَّ وَعِيدِ } مضاف لياء المتكلم، حذفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها. قوله: (فلا يضيق صدرك) أي لما تقدم أنه تسلية لرسول الله وتهديد لهم.
قوله: { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاكفة عليه، والأصل أقصدنا الخلق الأول فعجزنا عنه حتى يحكموا بعجزنا عن الإعادة؟ وفيه إلزام لمنكري البعث، والعي والعجز. قوله: { بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } الباء سببية أو بمعنى عن، والاستفهام انكاري بمعنى النفي. قوله: { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ } ليس عطف على مقدر يقتضيه السياق، كأنه قيل هم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الأول، بل هم في خلط وشبهة من خلق جديد، لما فيه من مخالفة العادة، وتنكير خلق لتفخيم شأنه والإشعار بخروجه عن حدود العادات. قوله: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } المراد به الجنس الصادق بآدم وأولاده. قوله: (حال بتقدير نحن) أي لأن الجملة المضارعية المثبتة إذا وقعت حالاً، لا تقترن بالواو، بل تحوي الضمير فقط، فإن اقترنت بالواو، أعربت خبر المحذوف، وتكون الجملة الاسمية حالاً، قال ابن مالك:

وذات بدء بمضارع ثبت حوت ضميراً ومن الواو خلت
وذات واو بعدها انوِ مبتدا له المضارع اجعلن مسندا

قوله: (ما مصدرية) أي والتقدير: ونعلم وسوسة نفسه إياه، ويصح أن تكون موصولة والضمير عائد عليها، والتقدير: ونعلم الأمر الذي تحدث نفسه به. قوله: (الباء زائدة) أي فهو نظير صوت بكذا، وقوله: (أو للتعدية) أي فالنفس تجعل الإنسان قائماً بالوسوسة. قوله: (والضمير للإنسان) أي فجعل الإنسان مع نفسه شخصين، تجري بينهما مكالمة ومحادثة، تارة يحدثها وتارة تحدثه، وهذه الوسوسة لا يؤاخذ بها الإنسان خيراً أو شراً، ومثلها الخاطر والهاجس، وما الهم فيكتب في الخير لا في السر، وأما العزم فيكتب خيراً أو شراً، وقد تقدم ذلك. قوله: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ } أي لأن الله لا يحجبه شيء، بل هو القائم على كل نفس، لا تخفى عليه خافية، فقربه تعالى من عبده اتصال تصاريفه فيه، بحيث لا يغيب عنه طرفة عين، قال تعالى: { { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4].
قوله: { مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } هذا مثل في شدة القرب، والحبل العرق. قوله: (والوريدان عرقان بصفحتي العنق) أي مكتنفان صفحتي العنق في مقدمهما يصتلان بالوتين وهو عرق متصل بالقلب، وبالأبهر وهو عرق في الظهر، وبالأكحل وهو عرق في الذراع، وبالنسا وهو عرق في الفخذ، وبالأسلم وهو عرق في الخنصر متى قطع من أية جهة مات صاحبه، قال القشيري: في هذه الآية عيبة وفزع وخوف لقوم، وروح وأنس وسكون قلب لقوم، أي بحسب تجلي الله تعالى وشهوده، فإذا شهد الإنسان جلال الله وهيبته وشدة بطشه وسرعه انتقامه، مع شدة تمكنه منه واتصال تصاريفه به، ذاب من خشية الله، وإذا شهد جمال الله ورجمته وإحسانه أنس وفرح. قوله: (يأخذ ويثبت) أي يكتبان في صحيفتي الحسنات والسيئات، وقلبهما لسانه، ومدادهما ريقه، ومحلهما من الإنسان نواجذه. قوله: (ما يعمله) مفعول { يَتَلَقَّى }.