التفاسير

< >
عرض

قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ
٢٨
مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
٢٩
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
٣٠

حاشية الصاوي

قوله: { لاَ تَخْتَصِمُواْ } خطاب للكافرين وقرنائهم. قوله: (أي ما ينتفع الخصام هنا) أي في موقف الحساب. قوله: { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } ظاهره أن الجملة حال من قوله: { لاَ تَخْتَصِمُواْ } وهو مشكل بأن التقديم بالوعيد في الدنيا، والاختصام في الآخرة. وأجيب: بأن الكلام على حذف، والأصل وقد ثبت الآن أني قد تقدمت اليكم الخ. قوله: (ولا بد) أي لا تطمعوا أني أبدل وعيدي) فإن وعيدي للكافرين محتم كوعدي للمؤمنين.
قوله: { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ } المراد بالقول الوعيد بتخليد الكافر في النار. قوله: (في ذلك) أي في ذلك اليوم، فاسم الإشارة عائد على يوم الحساب. قوله: (لا ظلم اليوم) أي وإذا انتفى الظلم عنه في هذا اليوم، فنفي الظلم عنه في غيره أحرى، سبحان من تنزه عن الظلم عقلاً ونقلاً. قوله : (ناصبه ظلام) أي والمعنى: ما أنا بظلام يوم قولي لجهنم الخ. قوله: (استفهام تحقيق لوعده بمثلها) خاطب الله سبحانه وتعالى جهنم خطاب العقلاء، وأجابته جواب العقلاء، ولا مانه من ذلك عقلاً ولا شرعاً لما رود: تحاجت الجنة والنار، واشتكت النار إلى ربها، فلا حاجة إلى تكلف المجاز، مع التمكن من الحقيقة في هذا ونظائره مما ورد في السنة من نطق الجمادات، والمراد باستفهام التحقق التقرير، فالله تعالى يقررها بأنها قد امتلأت.
قوله: { وَتَقُولُ } (بصورة الاستفهام كالسؤال) أي أجابته جواباً صورته استفهام، ومعناه الخبر، كما أشار له المفسر بقوله: (أي امتلأت) وإنما أجابته بصورة الاستفهام، ليكون طبق السؤال، لكن استفهام السؤال تقريري، واستفهام جوابها انكاري، هذا ما مشى عليه المفسر، وقيل: إن الاستفهام لطلب الزيادة فهو بمعنى زدني، ويدل عليه ما جاء في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم
"لا تزال جهنم يلقى فيل وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول: قط قط وعزتك، فينزوي بعضها على بعض وتقول: قط قط وعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل، حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة" وفي رواية "فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله، يقول لها: قط قط، فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض، فلا يظلم الله من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقاً" اهـ. ولفظ القدم والرجل في الحديث من المتشابه، يأتي فيه مذهب السلف والخلف، فالسلف والخلف، فالسلف ينزهونه عن الجارحة، ويفوضون علمه إلى الله تعالى، والخلف لهم في تأويل منها: أن المراد بالقدم والرجل قوم من أهل النار في علم الله، لأن القدم والرجل يطلقان في اللغة على العدد الكثير من الناس، فكأنه قال: حتى يضع رب العزة فيها العدد الكثير من الناس الموعودين بها، ويؤيده ما ورد عن ابن مسعود، أن ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع ولا تابوت، إلا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة، ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته؛ فإذا استوفى ما أمر به وما ينتظره، ولم يبق أحد منهم قالت الخزنة: قط قط، حسبنا حسبنا، اكتفينا اكتفينا، وحينئذ فتنزوي جهنم على من فيها وتنطق إذ لم يبق أحد ينتظر. ومنها أن وضع القدم والرجل كناية عن تجلي الجلال عليها، فتتصاغر وتضيق وتنزوي فتقول: قط قط، وهذا هو الأقرب.