التفاسير

< >
عرض

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ
٣٦
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
٣٧
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
٣٨

حاشية الصاوي

قوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا } الخ، { كَمْ } خبرية معمولة لأهلكنا، و { مِّن قَرْنٍ } تمييز لكم، وقوله: { هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم } مبتدأ، وخبر الجملة صفة إما لكم أو لقرن، { بَطْشاً } تمييز، المعنى: أننا أهلكنا قروناً كثيرة أشد بأساً وبطشاً من قريش، ففتشوا في البلاد عند نزول العذاب بهم، فلم يجدوا مخلصاً. قوله: { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أي ساروا فيها طالبين الهرب. قوله: (لهم أو لغيرهم) هذا يقتضي أن جملة { مِن مَّحِيصٍ } استثنائية من كلامه تعالى، وحينئذ فالوقف على قوله: { فِي ٱلْبِلاَدِ } ويكون في الكلام حذف، والتقدير: ففتشوا في البلاد هاربين، فلم يجدوا مخلصاً، فهل من قرار لهم أو لغيرهم؟ وقيل: إنها من كلامهم، والتقدير: قائلين من محيص لنا.
قوله: { إِنَّ فِي ذَلِكَ } (المذكور) أي من أول السورة إلى هنا. قوله: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } { أَوْ } مانعة خلو تجوز الجمع وهو المطلوب، فإن الموعظة لا تفيد ولا ينتفع بعا صاحبها، إلا إذا كان ذا عقل، وأصغى بسمعه وأحضر قلبه، فإن لم يكن كذلك فلا ينتفع بها. قوله: (استمع الوعظ) أي بكليته حتى كأنه يلقي شيئاً من علو إلى أسفل. قوله: { وَهُوَ شَهِيدٌ } الجملة حالية أي ألقى السمع، والحال أنه حاضر القلب، غير مشتعل بشيء غير ما هو فيه، وحضور القلب على مراتب، مرتبة العامة أن يشهد الأوامر والنواهي من القارئ، ومرتبة الخاصة أن يشاهد الشخص منهم أنه في حضرة الله تعالى يأمره وينهاه، ومرتبة خاصة الخاصة أن يفنوا عن حسهم ويشاهدوا أن القارئ هو الله تعالى، وإنما ترجمان عن الله تعالى.
قوله: { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أي تعليماً لعباده التمهل والتأني في الأمور، وإلا فلو شاء لخلق الكل في أقل من لمح البصر. قوله: { مِن لُّغُوبٍ } { مِن } زائدة في الفاعل، واللغوب مصدر لغب من باب دخل وتعب الإعياء والتعب، والعامة على ضم اللام وقرئ شذوذاً بفتحها، والجملة إما حالية أو مستأنفة. قوله: نزل رداً على اليهود) الخ، أي فقالوا: خلق السماوات والأرض في ستة أيام، أولها الأحد، وآخرها الجمعة، ثم استراح يوم السبت واستلقى على العرش، فلذلك تركوا العمل فيه، فنزلت هذه الآية رداً عليهم وتكذيباً لهم في قولهم: استراح يوم السبت بقوله: { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }. قوله: (ولعدم المماسة بينه وبين غيره) أي من الموجودات التي يوجدها، والتعب والإعياء إنما يحصل من العلاج ومماسة الفاعل لمفعوله، كالنجار والحداد وغير ذلك، وهذا إنما يكون في أفعال المخلوقين. قوله: (إنما أمره) أي شأنه. قوله: (إذا أراد شيئاً) أي إيجاد شيء أو إعدامه. قوله: (أن يقول له كن فيكون) أي من غير فعل ولا معالجة عمل، وهذا على حسب التقريب للعقول، وإلا ففي الحقيقة، لا قول ولا كاف ولا نون. قوله: (من التشبيه) أي تشبيه الله بغيره، إذ نسبوا له الإعياء والاستراحة وغير ذلك من كفرياتهم.