التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ
٢١
وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢٢
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ
٢٣
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ
٢٤
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٥
-الطور

حاشية الصاوي

قوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مبتدأ وخبره قوله: { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } والذرية تطلق على الأصول والفروع، قال تعالى: { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [يس: 41] والمعنى: أن المؤمن إذا كان عمله أكثر، ألحق به من دونه في العمل إبناً كان أو أباً، ويلحق بالذرية من النسب الذرية بالسبب وهو المحبة، فإن حصل مع المحبة تعليم علم أو عمل، كان أحق باللحوق كالتلامذة، فإنهم يحلقون بأشياخهم، وأشياخ الأشياخ يلحقون بالأشياخ، إن كانوا دونهم في العمل، والأصل في ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده فيقال: إنهم لم يدركوا ما أدركت، فيقول: يا رب إني عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به" . قوله: (بفتح اللام وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان، فالأولى من باب علم، والثانية من باب ضرب. قوله: { مِّنْ } (زائدة) أي في المفعول الثاني. قوله: (يزداد في عمل الأولاد) أي لم نأخذ من عمل الآباء شيئاً نجعله للأولاد، فيستحقون به هذا الإكرام، بل عمل الآباء باق لهم بتمامه، وإلحاق الذرية بهم بمحض الفضل والكرم.
قوله: { رَهَينٌ } أي مرهون عند الله تعالى، كأن نفس العبد مرهونة عند الله بعمله الذي هو مطالب به، فإن عمل صالحاً فكها من الرهن وإلا أهلكها، كما يرهن الرجل رقبة عبده بدين عليه، فإن وفى ما عليه، خلص رقبته من الرهن، وإلا استمر مرهوناً. قوله: (في وقت بعد وقت) أخذه من لفظ الإمداد. قوله: (وإن لم يصرحوا بطلبه) أي بل بمجرد ما يخطر ببالهم يقدم إليهم، لما ورد:
"أن الرجل يشتهي الطير في الجنة، فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه، لم يصبه دخان، ولم تمسه نار، فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير" . قوله: (يتعاطون بينهم) أي يتجاذب بعضهم الكأس من بعض، ويناول بعضهم بعضاً تلذذاً وتأنساً، وهو المؤمن وزوجاته وخدمه في الجنة.
قوله: { كَأْساً } الكأس هو إناء الخمر، وكل كأس مملوء بشراب أو غيره، فإذا فرغ لم يسم كأساً. قوله: { غِلْمَانٌ } (أرقاء) { لَّهُمْ } أي كالأرقاء في الحيازة والاستيلاء، وهؤلاء الغلمان يخلقهم الله في الجنة كالحور، وقيل: هم الأولاد من أطفالهم الذين سبقوهم، فأقر الله تعالى أعنيهم بهم، وقيل: هم أولاد المشركين، وليس في الجنة نصب ولا حاجة إلى خدمة، بل هو من مزيد التنعم، قال عبد الله بن عمر: ما من أحد من أل الجنة، إلا يسعى عليه ألف غلام، وكل غلام على عمل غير ما عليه صاحبه، وروي
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلا هذه الآية قالوا: يا رسول الله، الخادم كاللؤلؤ المكنون فيكف المخدوم؟ قال: فضل المخدوم على الخادم، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" . وروي أن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدامه، فيجيبه ألف ببابه: لبيك لبيك، وطواف الغلمان عليهم بالفواكه والتحف والشراب، قال تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ } [الزخرف: 71] { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } [الصافات: 45] قوله: (مصون في الصدف) جمع صدفة وهي غشاء الدر. قوله:(عمّا كانوا عليه) أي في الدنيا قوله: (وما وصلوا إليه) أي من نعيم الجنة. قوله: { قَالُوۤاْ } أي قال المسؤول للسائل. قوله: (إيماء) إشارة. وقوله: (إلى علة الوصول) أي محطها. قوله: { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } [الطور: 27].