التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ
٣٢
أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ
٣٣
وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ
٣٤
أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ
٣٥
-النجم

حاشية الصاوي

قوله: { كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ } جمع كبيرة، وهي ما ورد فيها وعيد أو حدّ. قوله: { وَٱلْفَوَاحِشَ } إما عطف مرادف :إن أريد بها الكبائر، أو خاص إن أريد بها ما ترتب عليه عظيم مفسدة، كالقتل والزنا والسرقة ونحو ذلك. قوله: { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } هو في الأصل أن يلم بالشيء ولم يرتكبه، والمراد به فعل الصغائر. قوله: (كالنظرة) أي وكالكذب الذي لا حد فيه، ولم يترتب عليه إفساد بين الناس، وهجر المسلم فوق ثلاث، والتبختر في المشي ونحو ذلك.
قوله: { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } تعليل لقوله: { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } والمعنى: أن عدم المؤاخذة على الصغائر، لا لكونها ليست ذنباً، بل لسعة مغفرة الله. قوله: (بذلك) أي باجتناب الكبائر. قوله: (أي عالم) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد صيغة التفضيل. قوله: { إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي فهو عالم بتفاصيل أموركم، حين ابتدأ خلق أبيكم آدم من التراب، وحين صوركم في الأرحام. قوله: (جمع جنين) سمي بذلك الاستتارة في بطن أمه. قوله: (لا تمدحوها) أي لا تثنوا عليها، ولا تشهدوا لها بالكمال والتقى، فإن النفس خسيسة، إذا مدحت اغترت وتكبرت، فالذي ينبغي للشخص، هضم النفس وذلها واستخفافها. قوله: (أما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن) أي ولذا قيل: المسرة بالطاعة طاعة، وذكرها شكر، قال تعالى:
{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى: 11].
قوله: { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } أي بمن أخلص في طاعته وتقواه، فينتفع بها ويثاب عليها، وأما المرائي، فلا ينتفع بطاعته، بل يعاقب عليها، لأن الرياء يحبط العمل. قوله: (أي ارتد) أي بعد أن أسلم بالفعل، وهذا أحد قولين: وقيل: قارب الإسلام ولم يسلم بالفعل. قوله: (وأعطاه من ماله) الضمير المستتر في أعطى عائد على الذي تولى، والبارز عائد على الذي ضمن له عذاب الله، فتحصل أن الضامن جعل على المتولي شيئين: الرجوع إلى الشرك، وأن يدفع له عدداً معيناً من ماله، وجعل على نفسه هو شيئاً واحداً، وهو ضمان عذاب الله. قوله: { وَأَكْدَىٰ } هو في الأصل من أكدى الحافر إذا أصاب كدية منعته من الحفر، ومثله أحبل، أي صادف جبلاً منعه من الحفر، ثم استعمل في كل من طلب منه شيء فلم يعطه.
قوله: { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ } استفهام إنكاري بمعنى النفي، أي ليس عنده علم الغيب. قوله: { فَهُوَ يَرَىٰ } عطف على قوله: { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ } فهي داخلة في حيز الاستفهام. قوله: (وهو الوليد بن المغيرة) أي وهو قول مقاتل وعليه الأكثر. قوله: (أو غيره) أي فقيل: هو العاص بن وائل السهمي، وقيل: هو أبو جهل، وهذا الخلاف في بيان الذي تولى وأعطى قليلاً وأكدى، وأما الذي غره وضمن أن يحمل عنه العذاب، فلم يذكروا تعيينه.