التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١٠
مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ
١١
-الحديد

حاشية الصاوي

قوله: { أَلاَّ تُنفِقُواْ } توبيخ لهم على ترك الإنفاق المأمور به بعد توبيخهم على ترك الإيمان. قوله: { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي طاعته جهاداً أو غيره. قوله: { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } الجملة حالية، والمعنى أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله، والحال أن ميراث السماوات والأرض له، فالدنيا له ابتداء وانتهاء، وإنما جعلكم خلفاء لكم أجر الإنفاق، وعليكم وزر الإمساك.
قوله: { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم } الخ، أي لأن الذين أنفقوا من قبل، وقاتلوا من قبل، فعلوا ذل لعزة الإسلام وغزة أهله، فنصروا الدين بأنفسهم وأموالهم، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، الذين قال فيهم رسول الله.
"لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفه" بخلاف من أنفق وقاتل بعد الفتح، فسعيه وإن كان مشكوراً لا يصل لتلك المزية. قوله: { مَّنْ أَنفَقَ } هو فاعل { لاَ يَسْتَوِي } والاستواء لا يكون إلا بين شيئين، فحذف المقابل لوضوحه، والتقدير: ومن أنفق بعد الفتح وهو صادق بكل من آمن وأنفق من بعد الفتح إلى يوم القيامة. قوله: (لمكة) وقيل هو صلح الحديبية. قوله: { وَكُلاًّ } بالنصب مفعول مقدم، وقرأ ابن عامر بالرفع مبتدأ، والجملة بعده خبر، والعائد محذوف أي وعده الله، والمعنى: أن كلاً ممن آمن وأنفق قبل الفتح، ومن آمن وأنفق بعده ومات على الإيمان، وعده الله الحسنى أي الجنة، وإن كانت درجات الأوائل، أعلى من درجات الأواخر.
قوله: { مَّن ذَا ٱلَّذِي } يحتمل أن { مَّن } اسم استفهام مبتدأ، و{ ذَا } خبره، و{ ٱلَّذِي } بدل منه، ويحتمل أن { مَّن ذَا } مبتدأ، والموصول خبره، وقوله: { يُقْرِضُ ٱللَّهَ } الخ، صلة الموصول على كلا الاحتمالين، وهذا تنزل منه سبحانه وتعالى، حيث ملك عباده الأموال من عنده، وسمى رجوعها إليه قرضاً، مع أن العبد وما ملكت يداه لسيده، قال صاحب الحكم: ومن مزيد فضله عليك، أن خلق ونسب إليك. قوله: (في سبيل الله) أي طاعته جهاداً أو غيره.
قوله: { قَرْضاً حَسَناً } قال بعض العلماء: القرض لا يكون حسناً، حتى يجمع أوصافاً عشرة وهي: أن يكون المال من الحلال، وأن يكون من أجود المال، وأن تتصدق به وأنت محتاج إليه، وأن تصرف صدقتك إلى الأحوج إليها، وأنت تكتم الصدقة بقدر ما أمكنك، وأن لا تتبعها بالمن والأذى، وأن تقصد بها وجه الله ولا ترائي بها الناس، وأن تستحقر ما تعطي وإن كان كثيراً، وأن يكون من أحب أموالك إليك، وأن لا ترى عز نفسك وذل الفقير، فهذه عشرة خصال، إذا اجتمعت في الصدقة، كانت قرضاً حسناً. قوله: (بأن ينفقه لله) أي خالصاً لوجهه، لا رياء ولا سمعة. قوله: (وفي قراءة فيضعفه) الخ، أي وعلى كل من القراءتين، فالفعل إما مرفوع عطفاً على يقرض، أو مستأنفاً، أو منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد الفاء الواقعة في جواب الاستفهام، فالقراءات أربع سبعيات. قوله: (وله مع المضاعفة) { أَجْرٌ كَرِيمٌ } ظاهر المفسر أن العبد إذا عمل الحسنة، تضاعف له إلى سبعمائة، ويعطى فوق ذلك أجراً كريماً، لا يعلم قدره إلا الله تعالى، ولكن الذي يظهر، أن الأجر الكريم يحصل له في نظير العمل المضاعف، وذلك أن المضاعفة تكتب للعبد في الدنيا، وتوزن له يوم القيامة، ويستوفي أجرها الكريم في الجنة. قوله: (رضا وإقبال) فاعل (مقترن) والمعنى أنه ثواب أعماله مع الرضا والإقبال عليه من الله تعالى كما قال:
{ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72].