التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
١٦
ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
١٧
إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ
١٨
-الحديد

حاشية الصاوي

قوله: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } الخ، العامة على سكون الهمزة وكسر النون، مضارع أنى يأني، كرمى يرمي، مجزوم بحذف حرف العلة، والمعنى: ألم يأن أوان الخشوع والخضوع لقلوب الذين آمنوا؟ وحينئذ فالذي ينبغي لهم الإقبال على شأنهم وتركهم ما لا يعنيهم، وقرئ شذوذاً بكسر الهمزة وسكون النون مضارع أن كباع، فلما جزم سكن، وحذفت عينه لالتقاء الساكنين، إذا علمت ذلك، فقول المفسر يحن حل معنى لا حل إعراب، وإلا فهو يناسب القراءة الشاذة، لأنه من حان يحين كباع يبيع، فهو مجزوم بالسكون، ومعنى حان قرب وقته. قوله: (لما أكثروا المزاج) أي بسبب لين العيش الذي أصابوه في المدينة، وذلك لأنهم لما قدموا المدينة، أصابوا من لين العيش ورفاهيته، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه، فعوتبوا على ذلك، وهذا محمول على فرقة قليلة فرحوا بمظاهر الدنيا، فحصل منهم المزاح والهزل فعوتبوا عليه، وأما غالبهم كأبي بكر وأضرابه فمقامهم يجل عن ذلك.
قوله: { أَن تَخْشَعَ } { أَن } وما دخلت عليه، في تأويل مصدر فاعل بأن أي ألم يقرب خشوع قلوبهم. قوله: (بالتخفيف) أي وضمير { نَزَلَ } عائد على القرآن، وقوله: (والتشديد) أي والضمير عائد على الله تعالى، والعائد محذوف تقديره نزله، والقراءتان سبعيتان، وقوله: { مِنَ ٱلْحَقِّ } بيان لما. قوله: (معطوف على تخشع) أي { وَلاَ } نافية، ويصح أن تكون { لاَ } ناهية، فيكون انتقالاً إلى نهيهم عن التشبه بمن تقدمهم، فإن الدوام على المزاح ربما أدى لذلك. قوله: { ٱلْكِتَابَ } آل فيه للجنس الصادق بالتوراة والإنجيل. قوله: { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } قرأ العامة بتخفيف دال { ٱلأَمَدُ } ومعناه الزمن، وقرأ غيرهم بتشديدها، وهو الزمن الطويل. قوله: (لم تلن لذكر الله) أي لم تخضع ولم تذل.
قوله: { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي خارجون عن طاعة الله وطاعة نبيهم، والقليل متمسك بشرع نبيه، وهذا الإخبار عنهم قبل ظهوره صلى الله عليه وسلم، وأما بعد ظهوره، فكل من لم يؤمن به، فهو فاسق خارج عن طاعة الله تعالى، قوله: (خطاب للمؤمنين المذكورين) أي الذين عوتبوا في شأن المزاح، كأن الله تعالى يقول لهم: يا عبادي لا تقنطوا من رحمتي، فإن شأن إحياء الأرض الميتة بالنبات، فكذلك إذا حصل منكم الإنابة والرجوع، أحييت قلوبكم بالذكر والفكر، فأنبتت العلوم والمعارف. قوله: (بهذا) أي كونه يحيي الأرض بعد موتها. وقوله: (وغيره) أي من الأمور العجيبة الدالة على باهر قدرته تعالى. قوله: (أدغمت التاء في الصاد) أي بعد قلبها صاداً. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (راجع إلى الذكور والإناث) أي فهو معطوف على مجموع الفعلين لا على الأول فقط، لما يلزم عليه من العطف على الصلة قبل تمامها. قوله (في صلة أل) الجملة نعت للاسم، أي الاسم الكائن (في صلة أل) وقوله: (فيها) متعلق بحل، وهذا من قبيل قول ابن مالك: واعطف على اسم شبه فعل فعلاً الخ. قوله: (وذكر القرض) الخ، جواب عما يقال: إن قوله: { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ } على قراءة التشديد يغني عنه، لأن المراد بالقرض الصادقة. فأجاب: بأنه ذكره توطئة لوصفه بالحسن، فقوله: (تقييد له) أي للتصدق بوصف القرض وهو الحسن. قوله: { يُضَاعَفُ لَهُمْ } أي ويكتب لهم في صحائفهم الحسنة بعشرة إلى سبعمائة إلى غير ذلك. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } أي في نظير عملهم المضاعف.