التفاسير

< >
عرض

لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢
هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٣
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٤
-الحديد

حاشية الصاوي

قوله: (بالإنشاء) أي من العدم، وفيه رد على من يزعم، أن الإحياء يكون بترك الحي من غير قتل مثلاً كالنمرود حيث قال في محاجة ابراهيم عليه السلام: أنا أحيي وأميت، وأتى برجلين فأطلق أحدهما وقتل الآخر. قوله: { وَيُمِيتُ } (بعده) أي بعد الأحياء الحاصل بالإنشاء، وأما الإحياء الثاني فلا موت بعده، قال تعالى: { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } [الدخان: 56]. قوله: { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } بضم الهاء وسكونها، قراءتان سبعيتان في جميع القرآن. قوله: { هُوَ ٱلأَوَّلُ } (قبل كل شيء) أي السابق على جميع الموجودات، وقوله: (بلا بداية) أي فلا افتتاح لوجوده. قوله: { وَٱلآخِرُ } (بعد كل شيء) أي الباقي بذاته بعد استحقاق كل ما سواه الفناء، وبهذا اندفع ما يقال: إن الجنة والنار وما فيهما، لا يطرأ عليهما الفناء، لأن كل موجود بعد عدم قابل للفناء، وبقاء ما ذكر ببقاء الله تعالى لا ذاتي له، قال العارف:

من لا وجود لذاته من ذاته فوجوده لولاه عين محال

قوله (بالأدلة عليه) أي وهي آثاره وتصاريفه في خلقه:

ففي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

قوله: (عن إدارك الحواس) أي الظاهرية والباطنية، فلا تحيط به في الدنيا ولا في الآخرة، وإنما رؤيته وسماع كلامه في الآخرة، من غير كيف ولا انحصار ولا إحاطة، فكل مخلوق عاجز عن الإحاطة به، بل كلما عظم قرب العبد منه، ازداد خشية وهيبة وعجزاً، ولذا ورد في الحديث: "سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته" . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد أحدكم أن ينام، فليضطجع على شقه الأيمن ويقول: اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل شيء، وأنت آخذ بناصيته" . وفي رواية: "من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، أقضي عنا الدين، وأغننا من الفقر" ا هـ. وأتى بالواور الأولى والثالثة، للجمع بين الوصفين الأولين والآخيرين، والثالثة للجمع بين مجموع الأصناف الأربعة، فهو تعالى متصف بالأولية وضدها، والظاهرية وضدها، وتلك الصفات الأربع مجموعة فيه تعالى، فالواو الأولى والثالثة عطفت مفرداً على مفرد، والثانية عطفت مجموع أمرين على مجمع أمرين. قوله: (الكرسي) تقدم غير مرة، أن المناسب إبقاء العرش على ظاهره. قوله: (استواء يليق به) تقدم أن هذا تفسير السلف، وأما الخلف فيؤولونه بالقهر والغلبة. قوله: (والسيئة) المناسب حذفه، لأن الذي يرفع إنما هو الأعمال الصالحة، قال تعالى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10]. قوله: (بعلمه) أي وقدرته وإرادته، فالمراد بالمعية تصارفه في خلقه.