التفاسير

< >
عرض

فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٥
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٦
-المجادلة

حاشية الصاوي

قوله: { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } مبتدأ، وقوله: { فَصِيَامُ } مبتدأ ثان خبره محذوف، قدره المفسر بقوله: (عليه) والجملة خبر الأول. قوله: { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } أي فإن أفطر فيهما ولو لعذر، انقطع التتابع ووجب استئنافهما. قوله: (عليه) أي على من لم يستطع، ومن لم يجد، وهو خبر عن كل من قوله: { فَصِيَامُ } وقوله: { فَإِطْعَامُ }. قوله: (حملا للمطلق) أي الذي هو وجوب الإطعام، أطلق في الآية عن التقييد، بكونه من قبل أن يتماسا على المقيد الذي هو وجوب الصيام ووجوب الرقبة، قيد كلاً بكونه من قبل أن يتماسا، والحمل معناه تقييد المطلق بالقيد الذي هو في المقيد. قوله: (لكل مسكين مد) ظاهره أنه مد النبي صلى الله عليه وسلم وعليه الشافعي، وقال مالك: إنه مد هشام بن عبد الملك، وكان يزيد على مد النبي صلى الله عليه وسلم ثلثاً تشديداً على المظاهر، بخلاف باقي الكفارات، فالمراد به مد النبي صلى الله عليه وسلم، وقدر الجميع تقريباً عند الشافعي في زماننا ثلاثون قدحاً بالمصري، لكل مسكين نصف قدح، وعند مالك أربعون قدحاً، لكل مسكين ثلثا قدح فتدبر. قوله: { ذَلِكَ } إشارة إلى ما مر من البيان والتعليم للأحكام والتنبيه عليها، وقوله: { لِتُؤْمِنُواْ } الخ، أي تستمروا على الإيمان وتعملوا بشرائعه، وترفضوا ما كان عليه الجاهلية. قوله: { وَلِلْكَافِرِينَ } أي المنكرين لتلك الأحكام.
قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } هذه الآية نزلت في أهل مكة عام الأحزاب، حين أرادوا التحزب على رسول الله وأصحابه، وكان في السنة الرابعة، وقيل في الخامسة، والمقصود منها تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشارته، بأن أعداءهم المتحزبين القادمين عليهم، يكبتون ويذلون ويفرق جمعهم، فلا تخشوا بأسهم. قوله: (يخالفون) { ٱللَّهَ } أي يعادونه ورسوله، فسمى المحادة مخالفة، لأن المحادة أن تكون في حد يخالف حد صاحبك، وهو كناية عن المعاداة. قوله: { كُبِتُواْ } أي يكبتوا، وعبر بالماضي لتحقق الوقوع، لأن هذه الآية نزلت قبل قدومهم. قوله: (أذلوا) وقيل معناه أهلكوا، وقيل أخذوا، وقيل عذبوا، وقيل لعنوا، وقيل اغيظوا، وكلها متقاربة في المعنى. قوله: (في مخالفتهم) أي بسببها. قوله: { وَقَدْ أَنزَلْنَآ } الخ، الجملة حالية من الواو في { كُبِتُواْ }.
قوله: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } ظرف المهين أو لعذاب، أو لمحذوف تقديره اذكر. قوله: { جَمِيعاً } أي بحيث لا يبقى أحد غير مبعوث، أو المعنى مجتمعين في حالة واحدة. قوله: { فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ } أي من القبائح، إما ببيان صدورها منهم، أو بتصويرها بصورة قبيحة هائلة على رؤوس الأشهاد، تخجيلاً لهم وتشهيراً لحالهم. قوله: { أَحْصَاهُ ٱللَّهُ } أي لم يفته منه شيء، بل أحاط بجميع ما صدر من خلقه. قوله: { وَنَسُوهُ } حال من مفعول أحصى، والمعنى: ذهلوا عنه لكثرته، أو تهاونكم به واعتقادهم أن لا حساب عليه.