التفاسير

< >
عرض

مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٦
-الحشر

حاشية الصاوي

قوله: { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ } الخ { مَا } شرطية و{ مِّن لِّينَةٍ } بيان لما، و{ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } خبر لمبتدأ محذوف أي فقطعها، والجملة جواب الشرط، واللينة قيل هي النخلة مطلقاً، وقيل هي النخلة الكريمة، وقيل غير ذلك، روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها، فخرج أعداء الله عند ذلك فقالوا: يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح، أمن الصلاح قطع الشجر وقطع النخل؟ فهل وجدت فيما زعمت، أنه نزل عليك الفساد في الأرض؟ فوجد المسلمون في أنفسهم شيئاً مما قالوا، وخشوا أن يكون ذلك فساداً، واختلفوا في القطع وتركه، فقال بعضهم: لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا، وقال بعضهم: بل نغيظهم بقطعه، فأنزل الله هذه الآية. قوله: { فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي رضاه. قوله: (أي خيركم في ذلك) أي القطع والترك.
قوله: { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } الخ، لما بين حال بني النضير وما وقع لذواتهم، أخذ يبين ما وقع في أموالهم. قوله: (رد) { ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } أشار بذلك إلى أن الأموال التي كانت بأيدي بني النضير، ليست لهم بالأصالة، بل هي لمن أطاع الله تعالى، وتلذذهم بها إنما هو صورة تعد منهم، وذلك لأن الله تعالى خلق الناس لعبادته، وخلق لهم ما في الأرض جميعاً، ليستعينوا بها على طاعته، فالكفار حيث عصوا ربهم، فليس لهم استحقاق في تلك النعم.
قوله: { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ } الخ، خبر ما الموصولة، و{ أَفَآءَ } صلته. قوله: (أسرعتم) الخ، أي فالإيجاف اسراع المشي. قوله: (يا مسلمين) هكذا بالياء هنا وفيما تقدم، وهو سبق قلم، وصوابه بالواو، ولأن المنادى يبنى على ما يرفع به ولا شك أن جمع المذكر السالم يرفع بالواو، فيبنى المنادى عليها. قوله: { مِنْ } (زائدة) أي المفعول. قوله: { وَلاَ رِكَابٍ } هي ما يركب من الإبل، غلب ذلك عليها من بين المركوبات، فالعرب يطلقون لفظ الراكب على راكب البعير، والفارس على راكب الفرس. قوله: (أي لم تقاسموا فيه مشقة) أي لم تقطعوا اليها مسافة، ولم يحصل منكم حرب، وذلك لكون قريتهم قريبة، ولم يركبوا اليها خيلاً ولا إيلاً إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان راكباً جملاً، وقيل: حمارً مخطوماً بليف، فافتتحها صلحاً، فكان الأمر في تلك الأموال مفوضاً له صلى الله عليه وسلم يضعه حيث يشاء.
قوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } أي فعادته تعالى جارية، بأن الرسل ليسوا كآحاد الأمة، بل يسلطهم الله على من يشاء، من غير أن يقتحموا المشقات ويقاسموا الشدائد، فتحصل أن مال الكفار، إذا حصل من غير قتال، فهو فيء يوضع تحت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سيأتي بيانه، ومثله المال الذي جهلت أربابه، ومال من مات ولا وارث له، والجزية، وأعشار أهل الذمة، وخراج الأرض على ما هو مبين في الفروع، ويقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده الخليفة. قوله: (فأعطى منه المهاجرين) أي لا على أنه غنيمة، بل يوصف الفقر، ليرفع بذلك مؤنتهم عن الأنصار، لأنهم كانوا قد قاسموهم في الأموال والديار. قوله: (وثلاثة من الأنصار) أي وهم أبو دجانة وسهل بن حنيف والحرث بن الصمة، وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق، وكان لهذا السيف ذكر وشأن عندهم.