التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٠٨
وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٠٩
-الأنعام

حاشية الصاوي

قوله: { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } سبب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى: { { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] كثر سب المسلمين للأصنام، فتحزب المشركون على كونهم يسبون الله نظير سب المسلمين لأصنامهم، فنزلت الآية، "وقيل: إن أبا طالب حضرته الوفاة، فقالت قريش انطلقوا بنا لندخل على هذا الرجل، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب كان عمه يمنعه، فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل، والنضر بن الحرث، وأمية وأبي ابنا خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص، والأسود بن أبي البحتري، إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا، وإن محمداً قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا، وندعه وإلهه، فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو طالب: إن هؤلاء قومك وبنو عمك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يريدون؟ قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، وندعك وآلهك، فقال له أبو طالب: قد أنصفك قومك فأقبل منهم، فقال النبي: أرأيتم إن أعطيتم هذا، فهل أنتم معطي كلمة، إن تكلمتم بها ملكتم العرب، ودانت لكم العجم، وأدت لكم الخراج؟ قال أبو جهل: نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي؟ فقال: قولوا لا إله إلا الله، فأبوا ونفروا، فقال أبو طالب قل غيرها يا ابن أخي، فقال: يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها، ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها، فقالوا لتكفن عن شتمك آلهتنا أو نسبن من يأمرك" فنزلت. قوله: { ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } أي يعبدون، وقدر المفسر الضمير إشارة إلى أن مفعول يدعون محذوف. قوله: { فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ } أي فيترتب على ذلك سب الله فسب الأصنام وإن كان جائزاً، إلا أنه عرض له النهي بسبب ما ترتب عليه من سب الله، ففي الحقيقة النهي عن سب الله. قوله: (اعتداء) أشار بذلك إلى أن { عَدْواً } مصدر، ويصح أن يكون حالاً مؤكدة، لأن السب لا يكون إلا عدواناً. قوله: (أي جهلاً منهم بالله) أي بما يجب في حقه.
قوله: { كَذَلِكَ زَيَّنَّا } نعت لمصدر محذوف، أي زينا لهؤلاء أعمالهم تزييناً مثل تزييننا لكل أمة عملهم. قوله: (من الخير والشر) أشار بذلك إلى أن الآية رد على المعتزلة الزاعمين أن الله لا يريد الشرور ولا القبائح. قوله: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ } مرتب على محذوف قدره المفسر بقوله: (فأتوه).
قوله: { وَأَقْسَمُواْ } أي حلفوا. قوله: (غاية اجتهادهم) أي لأنهم كانوا يحلفون بآبائهم وآلهتهم، فإذا أرادون تغليظ اليمين حلفوا بالله. قوله: { لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ } حكاية عنهم، وإلا فلفظهم لئن جاءتنا آية. قوله: (مما اقترحوا) أي طلبوا،
"وذلك أن قريشاً قالوا: يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كان له عصا حتى نصدقك ونؤمن بك، فقال رسول الله: أي شيء تحبون: قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً، وابعث لنا بعض موتانا نسأله عنك، أحق ما تقول أم باطل؟ وأرنا الملائكة يشهدون لك، فقال رسول الله: إنْ فعلت ما تقولون تصدقونني؟ قالوا: نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين، وسأل المسلمون رسول الله أن ينزلها عليهم حتى يرضوا، فقام رسول الله يدعو أن يجعل الصفا ذهباً فقال جبريل: لك ما شئت إنْ شئت يصبح ذهباً، ولكن إن لم يصدقوك لنعذبنهم، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يتوب تائبهم" ، فنزلت الآية.
قوله: { لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } جواب القسم، وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه. قوله: { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } أي لا عندي، فالقادر على إنزالها هو الله، وينزلها على حسب ما يريد. قوله: { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } ما اسم استفهام مبتدأ، وجملة يشعر خبرها، والكاف مفعول أول، والثاني محذوف قدره المفسر بقوله: بـ { أَيْمَٰنِهِمْ } والخطاب للمؤمنين، أي وما يعلمكم أيها المؤمنون بإيمانهم، وقوله: { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ } بكسر استئناف مسوق لقطع طمع المؤمنين من إيمان المشركين، وتكذيب للمشركين في حلفهم. قوله: (أي أنتم لا تدرون) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: (وفي قراءة بالتاء) ظاهره أن هذه القراءة مع كسر إن وليس كذلك بل هي مع الفتح، فالمناسب تأخيرها عن قوله: (وفي أخرى بفتح أن)، فالقراءات ثلاث: الكسر مع الياء لا غير، والفتح إما مع الياء أو التاء. قوله: (بمعنى لعل) أي ومجيء أي بمعنى لعل كثير شائع في كلام العرب، والترجي في كلام الله مثل التحقيق، فهي مساوية لقراءة الكسر. قوله: (أو معمولة لما قبلها) أي على أنها المفعول الثاني، ولا إما صلة أو داخلة على محذوف، والتقدير إذا جاءت لا تعلمون أهم يؤمنون أو المقابل محذوف، والتقدير إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون، وهو إخبار عن الكفار عن قراءة الياء، وخطاب لهم على قراءة التاء.