التفاسير

< >
عرض

أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢٢
وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
١٢٣
-الأنعام

حاشية الصاوي

قوله: { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً } الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف تقديره أيستويان، ومن كان ميتاً الخ، ومن اسم شرط مبتدأ، وكان فعل الشرط واسمها مستتر، وميتاً خبرها وقوله: { فَأَحْيَيْنَٰهُ } جواب الشرط، وقوله: { كَمَن مَّثَلُهُ } خبر المبتدأ. قوله: (بالهدى) أي الإيمان. قوله: (مثل زائدة) أي لأن المثل هو الصفة، والمستقر في الظلمات ذواتهم لا صفاتهم. قوله: { لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } هذا إخبار من الله بعدم إيمان أبي جهل رأساً، ولكن تقدم أن العبرة بعموم اللفظ. قوله: (لا) أي لا يستويان، وأشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله: (كما زين للمؤمنين الإيمان) أي لقوله تعالى: { { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 7]. قوله: { زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي والمزين لهم حقيقة هو الله، ويصح نسبة التزيين إلى الشياطين من حيث الإغواء والوسوسة.
قوله: { وَكَذٰلِكَ } الكاف اسم بمعنى مثل، والمعنى ومثل ما جعلنا في مكة كبراءها وعظماءها المجرمين، جعلنا في قرية كبراءها وعظماءها مجرميها، فذلك سنة الله أنه جعل أول من يقتدي بالرسل الضعفاء والمعارضين المنكرين الكبراء، ليكون عز الرسل بربهم ظاهراً وباطناً، وكل آية وردت في ذم الكفار تجر بذيلها على عصاة المؤمنين، فإن المباشر للظلم والفجور أكابر كل قرية ومدينة كما هو مشاهد. قوله: (فساق مكة) هو معنى مجرميها، وحل المفسر يفيد أن مجرميها مفعول أول مؤخر، وأكابر مفعول ثان مفعول ثان مقدم، وأكابر مفعول أول مؤخر وهو مضاف لمجرميها، وأخر المفعول الأول لأن فيه ضميراً يعود على المفعول الثاني، فلو قدم لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وقد أشار ابن مالك لذلك بقوله:

كذا إذا عاد عليه مضمر مما به عنه مبيناً يخبر

فيصير المعنى وكذلك جعلنا عظماء المجرمين كائنين في كل قرية. الثالث: أن في كل مفعول ثان، وأكابر مفعول أول، ومجرميها بدل من أكابر، ولم يضف لئلا يلزم عليه إضافة الصفة للموصوف وهو لا يجوز عند البصريين. الرابع: أن أكابر مفعول أول مضاف لمجرميها، وفي كل قرية ظرف لغو متعلق يجعلنا، والمفعول الثاني محذوف تقديره فساقاً، ورد بأن هذا التقدير لا فائدة فيه ولا محوج له، فالأحسن الثلاثة الأول. قوله: { لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } اللام إما لام العاقبة والصيرورة نظير { { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8]، أو لام العلة بمعنى الحكمة، وأما قولهم تنزه الله عن العلة، فمعناه العلة الباعثة على الفعل ليكتمل به، وأما الحكم فلا تخلو أفعال الله عنها، (سبحانك ما خلقت هذا عبثاً) والمكر والخديعة والحيلة والغدر والفجور وترويج الباطل، وهذه الأشياء لا تقبل عادة إلا من الكبراء, قوله: (بالصد عن الإيمان) أي لما ورد أن كل طريق من طرق مكة كان يجلس عليه أربعة، يصرفون الناس عن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون هو كذاب ساحر كاهن. قوله: (لأن وباله عليهم) أي وبال مكرهم لاحق بهم، قال تعالى: { { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43] وقال أيضاً: { { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ } [الأنعام: 124]الآية. قوله: { وَمَا يَشْعُرُونَ } أي لم يعلموا بأن وباله عليهم.