التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ
٥٦
قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ
٥٧
قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ
٥٨
-الأنعام

حاشية الصاوي

قوله: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ } هذا أمر من الله لنبيه أن يخاطب الكفار الذين طمعوا في دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دينهم ويرد عليهم بذلك. قوله: { نُهِيتُ } أي نهاني ربي بواسطة الدليل العقلي والسمعي، لدلالة كل منهما على أن الله واحد لا شريك له، متصف بكل كمال مستحيل عليه كل نقص. قوله: (تعبدون) هذا أحد إطلاقات الدعاء، وبه فسر في غالب اقرآن يشمل الطلب وغيره. قوله: { قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ } جمع هوى سمي بذلك لأنه يهوى بصاحبه إلى المهالك، وهذه الجملة تأكيد لما قبلها. قوله: { إِذاً } إذا حرف جواب وجزاء، ولا عمل لها لعدم وجود فعل تعمل فيه. قوله: (إن اتبعتها) أي الأهواء وهو بيان لمعنى إذاً. قوله: { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } تأكيد لما قبلها. قوله: { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } هذا زيادة في قطع طمعهم الفاسد، والمعنى لا تطمعوا في دخولي دينكم لأني على بينة من ربي، ومن كان كذلك كيف يخدع ويتبع الضلال، وهذا نظير قوله تعالى: { { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } [الأنعام: 83] قوله: (بيان) أي دليل واضح. قوله: { وَكَذَّبْتُم بِهِ } أي بوحدانيته، والجملة حالية، ويشير لذلك تقدير المفسر قد.
قوله: { مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } ما الأولى نافية والثانية موصولة، وقوله: (من العذاب) بيان لما الثانية. وسبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم بنزول العذاب عليهم، وكانوا يستعجلون به استهزاء كما في الأنفال
{ { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال: 32] الآية. قوله: { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ } قدر المفسر القضاء إشارة إلى أنه منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف، ويحتمل أنه ضمنه معنى ينفذ فعداه إلى المفعول به، ويحتمل أنه منصوب بنزع الخافض أي بالحق. قوله: (وفي قراءة يقص) من قص الأثر تتبعه، وقص الحديث قاله.
قوله: { لَّوْ أَنَّ عِندِي } أي لو كان الأمر مفوضاً إليَّ. قوله: { مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أي من العذاب. قوله: (بأن أعجله) بيان قوله: { لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } والضمير عائد على ما تستعجلون. قوله: (متى يعاقبهم) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضافين، والتقدير والله أعلم بوقت عقوبة الظالمين، فلا يستعجلوا ذلك، فإنه لا حق بهم إن لم يتوبوا، وإنما تأخيره من حلم الله عليهم، فلولا حلمه ما بقي أحد، قال تعالى:
{ { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } [المؤمنون: 71] فمن القبيح بعض العامة حلم الله يفتت الأكباد. إن قلت مقتضى هذه الآية أنه لو كان الأمر مفوضاً له في تعذيبهم لعجله واستراح، ومقتضى ما ورد من إتيان ملك الجبال يستشيره في أنه يطبق عليهم الأخشبين أنه لم يرض وقال أرجو أن يخرج من ذريتهم من يؤمن بالله فحصل التنافي. أجيب: بأن ما في الآية بالنظر لأصل البشرية، لأن البشر يتأثر بالضر والنفع، وما في الحديث إنما هو رحمة من الله ألقاها عليه فرحمهم الله بها، قال تعالى: { { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [آل عمران: 159] فرجع الأمر لله فتدبر.