التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ
٧٦
فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ
٧٧
-الأنعام

حاشية الصاوي

قوله: { فَلَمَّا جَنَّ } من الجنة وهي الستر، وحاصل ذلك أن نمروذ بن كنعان كان يدعو الناس إلى عبادته، وكان له كهان ومنجمون، فقالوا له إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام بغير دين أهل الأرض، ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه، فأمر بذبح كل غلام يولد في تلك السنة، وأمر بعزل النساء عن الرجال، وجعل على كل عشرة رجلاً يحفظهم، فإذا حاضت المرأة خلوا بينها وبين زوجها، لأنهم كانوا لا يجامعون في الحيض فإذا طهرت من الحيض حالوا بينهما، فخرج نمروذ بالرجال في البرية وعزلهم عن النساء تخوفاً من ذلك المولود، فمكث بذلك ما شاء الله، ثم بدت له حاجة أحب أوصيك بها، ولم أبعثك فيها إلا لثقتي بك، فأقسمت عليك أن لا تدنو من أهلك، فقال آزر أنا أشح على ديني من ذلك، فأوصاه بحاجته فدخل المدينة وقضى حاجة الملك، ثم دخل على أهله فلم يتمالك نفسه حتى واقع زوجته فحملت ساعتها بإبراهيم، فلما دنت ولادتها خرجت هاربة مخافة أن يطلع عليها فيقتل ولدها، فلما وضعته جعلته في نهر يابس، ثم لفته في خرقة وتركته، قيل أخبرت أباه به، وقيل لا، وكانت تختلف إليه لتنظر ما فعل، فتجده حياً وهو يمص من أصبع ماء، ومن أصبع لبناً، ومن أصبع سمناً، ومن أصبع عسلاً، ومن أصبع تمراً، وكان إبراهيم يشب في اليوم كالشهر، وفي الشهر كالسنة، فمكث خمسة عشر شهراً، قالوا فلما شب إبراهيم وهو في السرب قال لأمه من ربي قالت أنا، قال فمن ربك قالت أبوك، قال فمن رب أبي قالت اسكت، ثم رجعت إلى زوجها فقالت أرأيت الغلام الذي كنا نحدث أنه يغير دين أهل الأرض، ثم أخبرته بما قال، فأتاه أبوه آزر فقال إبراهيم: يا أبتاه من ربي قال أمك، قال فمن رب أمي قال أنا، قال فمن ربك قال نمروذ قال فمن رب نمروذ فلطمه لطمة وقال له اسكت. { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً } الآية، واختلف في وقت هذا القول، هل كان قبل البلوغ والرسالة أو بعدهما، والصحيح أنه بعد البلوغ وإيتاء الرسالة، وما وقع من إبراهيم إنما هو مجاراة لقومه واستدراج لهم، لأجل أن يعرفهم جهلهم وخطأهم في عبادة غير الله، وليس إثباته الربوبية لهذه الأجرام على حقيقة حاشاه من ذلك، لأن الأنبياء معصومون من الجهل قبل النبوة وبعدها، لأن توحيدهم بالشهود على طبق ما جبلت عليه أرواحهم من يوم ألست بربك. قوله: (قيل هو الزهرة) خصها لأنهم أضوأ الكواكب وهي في السماء الثالثة. قوله: (وكانوا نجامين) أي عالمين بالنجوم أو عابدين لها. قوله: (في زعمكم) أي فالجملة خبرية على حسب زعمهم، لا على حسب الواقع واعتقاد إبراهيم. قوله: (غاب) يقال أفل الشيء أفولاً. قوله: (التغير والانتقال) أي لأن الأفول حركة، الحركة تقتضي حدوث المتحرك وإمكانه، فيمتنع أن يكون إلهاً. قوله: (فلم ينجع) أي لم يؤثر ويفد، وهو من باب خضع، يقال نجع نجوعاً ظهر أثره. قوله: { بَازِغاً } حال من القمر والبزغ الطلوع.