التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٩٤
إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٩٥
-الأنعام

حاشية الصاوي

قوله: { وَ } (يقال لهم) اختلف في تعيين القائل، فقيل الله سبحانه، وقيل الملائكة ترجماناً عن الله وهذا مرتب على الخلاف هل الله يكلمهم أولاً. قوله: { فُرَٰدَىٰ } جمع فرداً وفريداً وفردان بمعنى منفردين خالين عن الدنيا ومتاعها. قوله: (حفاة عراة) أي وذلك عند الحساب، فلا ينفي أنهم يخرجون من القبور بالأكفان، فإذا حشروا ودنت الشمس من الرؤوس تطايرت الأكفان. قوله: (غرلاً) بضم الغين المعجمة وسكون الراء المهملة، جمع أغرل كحمر جمع أحمر، أي غير مقطوعين القلفة.
قوله: { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ } الجملة حالية من فاعل جئتمونا، وقوله: { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } متعلق بتركتم. قوله: (أي في استحقاق عبادتكم) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضافين. قوله: { بَيْنَكُمْ } على قراءة الرفع وهو فاعل تقطع، والبين بمعنى الوصل وهو المراد هنا، ويراد منه البعد من باب تسمية الأضداد. قوله: (وفي قراءة النصب) أي وهي سبعية أيضاً، والفاعل على هذه القراءة ضمير يعود على الوصل المفهوم من قوله: { شُفَعَآءَكُمُ } و { شُرَكَآءُ } لأن بين الشفيع والمشفوع له إيصال، و { بَيْنَكُمْ } ظرف له، والتقدير تقطع الوصل فيما بينكم فقول المفسر (أي وصلكم) تفسير للضمير المستتر. قوله: { مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } ما اسم موصول فاعل { ضَلَّ }، وكنتم تزعمون صلته، والعائد محذوف تقديره وضل عنكم الذي كنتم تزعمونه شفيعاً ونافعاً.
قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } لما تقدم ذكر التوحيد، وما يتعلق به أتبعه بذكر ما يدل على ذلك، والمراد بالحب ما لا نوى له يرمي، كالقمح والشعير والفول، وبالنوى ضد الحب، كالرطب والمشمش والنبق، فانحصر ما يخرج من الأرض في هذين النوعين، وإضافة فالق للحب يحتمل أنها محضة، ففالق بمعنى فلق، فهو بمعنى الصفة المشبهة وهو الأقرب، ويحتمل أنها لفظية، والمراد فالق في الحال والاستقبال. قوله: (شاق) فسر الفلق بالشق لأنه المشهور في اللغة، ولأنه أقرب عبرة وأكثر فائدة، وقال ابن عباس إن فالق بمعنى خالق. قوله: (عن النحل) مراده به كل ما له نوى.
قوله: { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } يحتمل أنه خبر ثان لأن، ويحتمل أنه كلام مستأنف كالعلة لما قبله، والمراد بالحي كل ما ينمو كان ذا روح أو لا كالحيوان والنبات، وبالميت ما لا ينمو كان أصله ذا روح أم لا كالنطفة والحبة، فتسمية النبات حياً مجاز بجامع قبول الزيادة في كل. قوله: (من النطفة والبيضة) لف ونشر مرتب، وأدخلت الكاف جميع ما يخرج من النطفة والبيضة، فجميع الحيوانات لا تخلو عن هذين الشيئين، فجميع الطيور من البيض وما عداها من النطفة.
قوله: { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ } إنما عبر باسم الفاعل مع العطف، إشارة إلى أنه كلام آخر معطوف فالق وليس بياناً له، وإلا لأتى بالفعل. قوله: { مِنَ ٱلْحَيِّ } أي كالإنسان والطائر، ويشمل عموم هذه الآية المسلم والكافر، فيخرج الحي كالمسلم من الميت كالكافر وبالعكس. قوله: { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ } أتى بذلك وإن علم من قوله إن الله فالق لأجل الرد على من كفر بقوله { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ }. قوله: (فكيف تصرفون عن الإيمان) أي لا وجه لصرفكم عن الإيمان بالله مع اعترافكم بأنه الخالق لجميع الأشياء، فهو استفهام انكاري بمعنى النفي. قوله: (مصدر) أي لأصبح بمعنى الدخول في الصباح وليس مراداً، بل المراد الصبح نفسه، فلذا فسره حيث أطلق المصدر وهو الإصباح، وأراد أثره وهو الصبح، والإصباح بكسر الهمزة وقرئ شذوذاً بفتحها. وعليه يكون جمع صبح نحو قفل وأقفال، ويرد وأبراد، وظاهر الآية مشكل، لأن الإنفاق يكون للظلمة لا للصبح. وأجيب: بأن الكلام على حذف مضاف، والأصل فالق ظلمة الإصباح بمعنى الصبح، أو يراد فالق الإصباح بمعنى عمود الصبح، وهو الفجر الكاذب عن ظلمة الليل، ثم يعقبه الفجر الصادق، فهو فالق الإصباح الأول عن ظلمة آخر الليل، وعن بياض النهار أيضاً، ويفيد هذا المفسر أو يفسر فالق بخالق، وسماه فلقاً مشاكلة لما قبله، وكل صحيح. قوله: (وهو أول ما يبدو من النهار) أي وهو الفجر الكاذب. قوله: (عن ظلمة الليل) متعلق بشاق.