التفاسير

< >
عرض

ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ
١٠
وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
١١
وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ
١٢
-التحريم

حاشية الصاوي

قوله: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } لما كان لبعض الكفار قرابة بالمسلمين، فربما توهموا أنها تنفعهم، وكان لبعض المسلمين قرابة بالكفار، وربما توهموا أنها تضرهم فضرب الله لكل مثلاً، وضرب بمعنى جعل، فمثلاً مفعول ثان مقدم، وقوله: { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ } الخ، أي حالهما، مفعول أول أخر عنه ليتصل به ما هو تفسير وشرح لهما، والمعنى جعل الله حال هاتين المرأتين مشابهاً لحال هؤلاء الكفرة، فالكفار اتصلوا بالنبي والمؤمنين، ولم ينفعهم الاتصال بدون الإيمان، والمرأتان كذلك. قوله: { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ } ترسم امرأة في هذه المواضع الثلاثة، وابنت بالتاء المجرورة، وفي الوقف عليها خلاف بين القراء، فبعضهم يقف بالتاء، وبعضهم بالهاء. قوله: { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ } أظهر في مقام الإضمار لتشريفهما بهذه النسبة والوصف بالصلاح. قوله: { فَخَانَتَاهُمَا } (في الدين) أي لا في الزنا، لما ورد عن ابن عباس: "أنه ما زنت امرأة نبي قط" . قوله: (إذ كفرتا) تعليل لقوله فخانتا. قوله: (واسمها واهلة) بتقديم الهاء على اللام، وقيل بالعكس، وقوله: (واعلة) بتقديم العين على اللام، وقيل بالعكس.
قوله: { فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لم يدفع نوح ولوط، مع كرامتهما عند الله عن زوجتيهما لما كفرتا من عذاب الله شيئاً، تنبيهاً بذلك على أن العذاب يدفع بالطاعة والامتثال، لا بمجرد الصحبة قوله: { شَيْئاً } أي من الإغناء فهو مفعول مطلق أو مفعول به. قوله: { وَقِيلَ } (لهما) التعبير بالماضي لتحقق الوقوع والقائل خزنة النار.
قوله: { ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ } أي جعل حالها مثلاً بحال المؤمنين، في أن وصلة الكفرة لا تضر مع الإيمان. قوله: (آمنت بموسى) أي لما غلب السحرة، وتبين لها أنه على الحق، فأبدلها الله بسبب ذلك الإيمان، أن جعلها في الآخرة زوجة خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا زوجه الله في الجنة مريم بنت عمران لما ورد
"أنه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت فقال لها: يا خديجة إذا لقيت ضراتك فأفرئيهن مني السلام، فقالت: يا رسول الله وهل تزوجت قبلي؟ قال: لا، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وكلثوم أخت موسى، فقالت: يا رسول الله بالفاء والبنين" ، وفي الحديث: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بن مزاحم امرأة فرعون" . قوله: (واسمها آسية) بالمد وكسر السين، قيل: إنها عمة موسى فتكون اسرائيلية، وقيل: ابنة عم فرعون، فتكون من العمالقة. قوله: (بأن أوتد يديها) الخ، أي دق لها أربع أوتاد في الأرض، وشبحها فيها كل عضو بحبل. قوله: (وألقى على صدرها رحى) الخ، في القصة أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها، فلما أتوها بالصخرة قالت { رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ } فأبصرت البيت من مرمرة بيضاء، وانتزعت روحها، فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه، ولم تجد ألماً. قوله: (واستقبل بها الشمس) أي جعلها مواجهة للشمس، وهو معطوف على قوله: (أوتد يديها) وليس متأخراً عن إلقاء الرحى، لأن إلقاء الرحى كان في آخر الأمر، لما آيس من رجوعها عن الإيمان، فالواو لا تقتضي ترتيباً.
قوله: { ٱبْنِ لِي عِندَكَ } أي قريباً من رحمتك، فالعندية عندية مكانة لا مكان. قوله: (وتعذيبه) عطف تفسير لعلمه. قوله: (عطف على امرأة فرعون) أي فهي من جملة المثل الثاني، فمثل حال المؤمنين بامرأتين، كما مثل حال الكفار بامرأتين. قوله: (حفظته) أي عن الرجال، فلم يصل إليها أحد بنكاح ولا بزنا. قوله: (أي جبريل) تفسيراً { رُّوحِنَا }. قوله: (حيث نفخ) الخ، بين به أن الإسناد في نفخنا، من حيث إنه الخالق والموجد، والإسناد لجبريل من حيث المباشرة. قوله: (بخلق الله) بيان لحقيقة الإسناد. قوله: (فعله) أي فعل جبريل وهو النفخ، قوله: (الواصل إلى فرجها) أي بواسطة كونه في جيب القميص قوله: (فحملت بعيسى) أي عقب النفخ، فالنفخ والحمل والوضع في ساعة واحدة، كما تقدم في سورة مريم. قوله: { وَكُتُبِهِ } (المنزلة) أي في زمانها، كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم. قوله: { وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } أي معدودة منهم، فيه إشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين. قوله: (أي من القوم المطيعين) أي وهم رهطها وعشيرتها، لأنها من أهل بيت صالحين، من أعقاب هارون أخي موسى عليهما السلام.