التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٣٤
أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ
٣٥
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
٣٦
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
٣٧
-القلم

حاشية الصاوي

قوله: { كَذَلِكَ } خبر مقدم، و{ ٱلْعَذَابُ } مبتدأ مؤخر. قوله: (أي مثل العذاب لهؤلاء) أي الذي بلونا به أصحاب الجنة من إهلاك ما كان عندهم يحصل لأهل مكة، قال ابن عباس: هذا مثل لأهل مكة، حين خرجوا إلى بدر وحلفوا ليقتلون محمداً وأصحابه، ويرجعون إلى مكة، ويطوفون بالبيت، ويشربون الخمر، وتضرب القينات على رؤوسهم، فأخلف الله ظنهم، فقتلوا وأسروا وانهزموا، كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرام، فخابوا وضاعت صفقتهم، وفيه تلطف بأهل مكة، حيث ضرب لهم المثل بأهل الجنة كما لا يخفى. قوله: (ونزل لما قالوا) الخ، ظاهره أن قولهم سببب لنزول { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ } الخ، وليس كذلك، بل الآية سبب لقولهم المذكور، فلما صدر منهم ذلك القول أنزل رداً عليهم { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } الخ، قال مقاتل: لما نزل { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ } الخ، قال كفار مكة للمسلمين: إن الله فضلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيل، فلا أقل من المساواة، فأجابهم الله تعالى بقوله: { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } الخ. قوله: { جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } أضيفت إلى { ٱلنَّعِيمِ } لأنه ليس فيها إلا النعيم الخالص الذي لا يشوبه كدر ولا نقص كجنات الدنيا.
قوله: { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير: أنحيف في الحكم، فنجعل المسلمين، وفي العبارة قلب، والأصل: أفنجعل المجرمين كالمسلمين، لأنهم جعلوا أنفسهم كالمسلمين بل أفضل؟ فحينئذ يكون الإنكار متوجهاً لجعلهم المذكور، وقد وبخوا باستفهامات سبعة تنتهي لقوله:
{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ } [القلم: 41] أولها { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } ثانيها { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } ثالثها. رابعها { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ } الخ، خامسها { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ } [القلم: 39] الخ، سادسها { أَنَّهُمْ } الخ، سابعها { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ } [القلم: 41] الخ. قوله: (أي تابعين لهم في العطاء) المناسب أن يقول: أي مساوين لهم في العطاء، بقي أن الآية إنما دلت على نفي المساواة، مع أن المشركين ادعوا الأفضلية، فلم تحصل الموافقة. أجيب: أنها دلت على نفي الأفضلية بالأولى، لأنه إذا انتفت المساواة فالأفضلية أولى.
قوله: { مَا لَكُمْ } مبتدأ وخبر، والمعنى: أي شيء ثبت واستقر لكم من هذه الأحكام البعيدة عن الصواب. قوله: { كَيْفَ تَحْكُمُونَ } جملة أخرى، فالوقف على { لَكُمْ } استفيد من هذه الجملة السؤال عن كيفية الحكم، هل هو عن عقل أولا؟ قوله: { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ } { أَمْ } منقطعة تفسر ببل والهمزة، وقيل للاضراب ا لانتقالي، والهمزة للاستفهام التوبيخي التقريعي، وكذا يقال فيما يأتي.