التفاسير

< >
عرض

وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٤٥
-الأعراف

حاشية الصاوي

قوله: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ } أي وكان طول اللوح منها اثني عشر ذراعاً، وقيل عشرة على طول موسى، والكاتب لها هو الله بلا واسطة. قوله: (من سدر الجنة) أي خشبها المسمى بالسدر، والشاقق لها هو الله بلا واسطة. قوله: (أو زمرد) وقيل من ياقوتة حمراء. قوله: (سبعة او عشرة) وقيل تسعة، وقيل اثنان، ويكون المراد بالجمع ما فوق الواحدة، فال الربيع بن انس: نزلت التوراة وهي وقر سبعين بعيراً، يقرأ الجزء منها في سنة، ولم يحفظها الا أربعة: موسى ويوشع بن نون وعزير وعيسى عليهم السلام، وقال الحسن: هذه الآية في التوراة بألف آية. قوله: (بدل) أي قوله: { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً } بدل من محل قوله: { مِن كُلِّ شَيْءٍ } وهو النصب، وقوله: { لِّكُلِّ شَيْءٍ } متعلق بتفصيلاً. قوله (قبله فلنا مقدرا) أشار بذلك إلى أن هذا المحذوف معطوف على { كَتَبْنَا }. قوله (بجد واجتهاد) أي لا بتراخ وكسل، فإن العلم لا يأتي إلا للمجد المشتاق، كان كسبياً أو وهيباً فلا بد لمتعاطي العلم من الكد والتعب ومخالفة النفس، قال بعضهم:

بقدر الكد تكسب المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلا يغوصى البحر من طلب اللآلي

وقال بعض العارفين:

فجد بالروح والدنيا خليلي كذا الاوطان كي تدرك سناه

وهذا الخطاب لموسى، والمراد غيره، لأنه هو آخذ بقوة واجتهاد، قوله: { بِأَحْسَنِهَا } أي بالأحوط منها، لأن فيها عزائم ورخصاً، وفاضلاً ومفضولاً، وجائزاً ومندوباً، فأمر قومك يأخذوا بأحواطها، بأن يتبعوا العزائم، ويتركوا الرخص، وذلك كالقود والعفو والانتصار والصبر، فالأخذ بالعفو أحسن من القود، والصبر أحسن من الانتصار، أو يقال إن اسم التفضيل ليس على بابه أي بحسنها، والإضافة بيانية، والمعنى يعملون يجميع ما فيها.
قول: { سَأُوْرِيكُمْ } الخطاب لموسى ومن تبعه، فالكاف مفعول أول، و { دَارَ } مفعول ثان، والمعنى أملككم إياها، بديل قراءة من قرأ سأورثكم بالثاء المثلثة. قوله: (وهي مصر) هذا هو الأقربن وقيل المراد بدار الفاسقين، ديار عاد، وثمود، وقوم لوط، وقوم نوح. قوله: (ليعتبروا بهم) أي ففي الآية إشارة إلى أنهم إن خالفوا فعل بهم كما فعل بفرعون وقومه، وهكذا كل ظالم فاجر، ولو من المسلمين، إذ بغى واعتدى وتكبر وتجبر، يمهل مدة ثم تصير دياره بلاقع، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويؤيده قوله تعالى:
{ { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [الأحقاف: 25].