التفاسير

< >
عرض

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ
١٧٥
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
١٧٦
سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ
١٧٧
-الأعراف

حاشية الصاوي

قوله: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } عطف على (واسألهم) عطف قصة على قصة. قوله: { ءَايَاتِنَا } أي وهي علوم الكتب القديمة، ومعرفة الاسم الأعظم، فكان يدعو به حيث شاء فيحصل بعينه، وكان يرى العرش وهو جالس مكانه، وكان في مجلس اثنا عشر ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه، وحاصل قصته على ما ذكره ابن عباس وغيره، أن موسى عليه السلام، لما قصد قتال الجبارين، ونزل أرض الكنعانيين من أرض الشام، أتى بلعم إليه وكان عند الاسم الأعظم، فقالوا: إن موسى رجل حديد ومعه جند كثير، وإنه جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويخليها لبني إسرائيل، وأنت رجل مجاب الدعوة، فاخرج فادع الله أن يردهم عنا، فقال: ويلكم نبي الله ومعه الملائكة والمؤمنون، فكيف أدعو عليهم أنا أعلم من الله ما لا تعلمون، وإني إن فعلت ذهبت دنياي وآخرتي، فراجعوه وألحوا عليه، فقال: حتى أؤامر ربي، وكان لا يدعو حتى ينظر ما يؤمر به في المنام، فآمر ربه في الدعاء عليهم، بأهدوا إليه هديه فقبلها، وراجعوه فقال: حتى أؤامر ربي، فآمر فلم يؤمر بشيء، فقال: قد آمرت ربي فلم يأمرني بشيء، فقالوا له: ولو كره ربك أن تدعو لنهاك كما نهاك في المرة الأولى، فلم يزالوا يتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن، فركب أتانا له متوجهاً إلى جبل يطلعه على عسكر بني إسرائيل يقال له حسبان، فلما سار على أتانه غير بعيد ربضت، فنزل عنها وضربها، فقامت فركبها، فلم تسر بها كثيراً حتى ربضت فضربها، وهكذا مراراً، فأذن الله تعالى لها في الكلام فأنطقها له، فكلمته حجة عليه فقالت: ويحك يا بلعم أين تذهب؟ أما ترى الملاكة أمامي تردني عن وجهي، ويحك تذهب إلى نبي الله والمؤمنين فتدعوا عليهم، فلم ينزجر، فخلى الله سبيل الأتان، فانطلقت حتى أشرف على جبل حسبان، فجعل يدعو عليهم، فلم يدع بشر إلا صرف الله به لسانه إلى بني إسرائيل، فقال له قومه: يا بلعم أتدري ما تصنع؟ إنما تدعو لهم وتدعو علينا، فقال: هذا ما لا أملكه، هذا شيء قد غلب الله عليه، فاندلع لسانه فوقع على صدره، فقال لهم: الآن قد ذهب مني الدنيا والآخرة، ولم يبق إلا المكر والخديعة، فسأمكر لكم واحتال، احملوا النساء وزينوهن وأعطوهن السلع، ثم أرسلوهن إلى عسكر بني إسرائيل يبعنها فيه، ومروهن أن لا تمنع امرأة نفسها من رجل راودها، فإنه إن زنى رجل بواحدة كفيتموهم، ففعلوا، فلما دخل النساء العسكر، مرت امرأة من الكنعانيين على رجل من عظماء بني إسرائيل، وكان رأس سبط شمعون بن يعقوب، فقام إلى المرأة وأخذ بيدها حين أعجبه جمالها، ثم أقبل بها حتى وقف على موسى وقال: إني أظنك أن تقول هذا حرام عليك، قال: أجل هي حرام عليك لا تقربها، قال: فوالله لا نعطيك، ثم دخل بها قبته فوقع عليها فأرسل الله عليهم الطاعون في الوقت، فهلك منهم سبعون ألفاً في ساعة من النهار. قوله: (وأهدي إليه شيء) أي في نظير الدعاء عليهم، وتسمى تلك الهدية رشوة، وهي محرمة في شرعنا، والذي ألجأه المنصب. قوله: (واندلع لسانه) أي تدلى. قوله: { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ } هذا مبالغة في ذمه، حيث كان عالماً عظيماً، ثم صار الشيطان من أتباعه. قوله { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ } مفعول المشيئة محذوف تقديره رفعته. قوله: { بِهَا } أي بسبب تلك الآيات. قوله: (ولكنه أخلد) أي مال واطمأن. قوله: { كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } أي الذي هو أخس الحيوانات. قوله: { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ } أي تشدد عليه وتجهده يلهث أي يخرج لسانه. قوله: { أَوْ تَتْرُكْهُ } أي من غير تشدد عليه. قوله: (وليس غيره من الحيوانات كذلك) أي بل غيره يلهث في حال التعب فقط. قوله: (ما بعدها) أي وهو الانسلاخ، وقوله: (من الميل الخ) بيان لما قبلها.
قوله: { ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } أي اليهود الذين أوتوا التوراة، وفيها صفات النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وشمائله، فغيروا وبدلوا. قوله: { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ } أي الذي أوحي إليك، ليعلموا أنك علمته من الوحي فيؤمنون. قوله: (على اليهود) لا مفهوم له، بل المراد اقصص القصص على أمتك ليتعظوا بذلك. قوله: { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ } ساء فعل ماض لإنشاء الذم، و { مَثَلاً } تمييز { ٱلْقَوْمُ } فاعل على حذف مضاف تقديره مثل القوم، والخصوص بالذم محذوف تقديره مثلهم.