التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً
٦
وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً
٧
وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً
٨
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً
٩
وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً
١٠
وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً
١١
-الجن

حاشية الصاوي

قوله: { كَانَ رِجَالٌ } أي في الجاهلية. قوله: (حين ينزلون) الخ، أي وذلك أن العرب كانوا إذا نزلوا وادياً، عبثت بهم الجن في بعض الأحيان، لأنهم كانوا لا يتحصنون بذكر الله، وليس لهم دين صحيح، فحملهم ذلك على أن يستجيروا بعظمائهم، فكان الرجل يقول عند نزوله: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح، فلا يرى إلا خيراً، وربما هدوه إلى الطريق، وردوا عليه ضالته، وأون من تعوذ بالجن، قوم من اليمن من بني حنيفة، ثم فشا في العرب، فلما جاء الإسلام، صار التعوذ بالله لا بالجن. قوله: { فَزَادُوهُمْ } الواو عبارة عن رجال الإنس، والهاء عبارة عن رجال الجن. قوله: (فقالوا) أي الجن المستعاذ بهم. قوله: (سدنا الجن) بضم السين، أي حصلت لنا السيادة على الجن غيرنا لقهرنا إياهم، وسدنا الإنس الذين استعاذوا بنا، وهذه المقالة بسبب الغطيان. قوله: { أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } هذه الجملة سادة مسد مفعولي الظن، والمسألة من باب التنازع، اعمل الثاني وضمر في الأول وحذف. قوله: (رمنا) أي قصدنا وطلبنا.
قوله: { فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ } الخ، الضمير مفعول أول لوجد، وجملة { مُلِئَتْ } مفعول ثاني لها، و{ حَرَساً } تمييز؛ جمع حارس كخدم وخادم. قوله: { وَشُهُباً } جمع شهاب ككتب وكتاب. قوله: (نجوماً محرقة) المناسب أن يقول: شعلاً منفصلة من نار الكواكب، لأن الشهاب شعلة من نار تنفصل من الكواكب، وتقدم ذلك عن المفسر. قوله: (وذلك) أي امتلاؤها بالحرس والشهب. قوله: { مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ } أي لأجل الاستماع. قوله: { ٱلآنَ } ظرف حالي، والمراد الاستقبال. والحاصل: أن الشياطين كانوا أولاً يسترقون السمع، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سماوات بغير شهب، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السماوات كلها بالشهب، فلما بعث ازداد تساقط الشهب حتى ملأ الفضاء وصارت لا تخطئهم، فمنعوا من الصعود بالكلية، لكن ما زالوا يتوجهون إلى الصعود فتعاجلهم الشهب. قوله: { رَّصَداً } صفة لشهاباً، وهو بمعنى اسم المفعول، أي مرصوداً له. قول: { أَشَرٌّ أُرِيدَ } الخ، قيل: القائل ذلك إبليس، وقيل: الجن فيما بينهم قبل أن يستمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، فإنم يكذبون ويهلكون بتكذيبه؛ أم أراد أن يؤمنوا فيهتدوا، فالشر والرشد على هذا الإيمان والكفر.
قوله: { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } { مِنَّا } خبر مقدم، و{ دُونَ } مبتدأ مؤخر، إما بمعنى غير وفتح لإضافته لغير متمكن، أو صفة لمحذوف تقديره ومنا فريق دون ذلك، وحذف الموصوف مع من التبعيضية كثير، ومن ذلك قولهم منا ظعن ومنا أقام، أي منا فريق ظعن الخ. قوله: (أي قوم غير صالحين) أي غير مسلمين. قوله: { كُنَّا طَرَآئِقَ } أي ذوي مذاهب مختلفة وأديان متفرقة. قوله: { قِدَداً } جمع قدة بالكسر، وهي في الأصل الطريق والسيرة، فاستعمالها في الفرق مجاز.