التفاسير

< >
عرض

سَأُصْلِيهِ سَقَرَ
٢٦
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ
٢٧
لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ
٢٨
لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ
٢٩
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ
٣٠
وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ
٣١
كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ
٣٢
وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ
٣٣
وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ
٣٤
إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ
٣٥
نَذِيراً لِّلْبَشَرِ
٣٦
لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ
٣٧
-المدثر

حاشية الصاوي

قوله: { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } بدل من قوله: { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [المدثر: 17] ثم إن كان المراد بالصعود المشقة، فالبدل واضح، وإن كان صعود الجبل الهبوط، فهو بدل اشتمال فتدبر. قوله: { مَا سَقَرُ } { مَا } مبتدأ، و{ سَقَرُ } خبره، والجملة سدت مسد المفعول الثاني لأدرى. قوله: (تعظيم لشأنها) أي نظير ما تقدم في سورة الحاقة. قوله: { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } حال وفيها معنى التعظيم، والجملتان بمعنى واحد، والعطف للتوكيد، هذا ما يقتضيه صنيع المفسر. قوله: { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } خبر مبتدأ محذوف، وقوله: (محرقة لظاهر الجلد) أي فالمراد بالبشر الجلد، ويطلق البشر على الناس جميعاً، أو معنى لواحة تظهر لهم وتلوح قبل أن يسقطوا فيها، ولكن المعنى الأول أقرب.
قوله: { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } ملكاً أي وهم مالك ومعه ثمانية عشر، وقيل تسعة عشر نقيباً، وقل تسعة ألف ملك، والقول الثاني موافق لقوله تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } وفي القرطبي قلت: والصحيح إن شاء الله، أن هؤلاء التسعة عشر هم الرؤساء والنقباء، وأما جملتهم فالعبارة تعجز عنها كما قال تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سعبون ألف ملك يجرونها" اهـ. وقد ورد في صفة الخزنة، أن أعينهم كالبرق الخاطف، وأنيابهم كالصياصي أي قرون البقر، وأشعارهم تمس أقدامهم، يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، نزعت منهم الرحمة، يدفع أحدهم سبعين ألفاً مرة واحدة، فيرميهم حيث شاء من جهنم، وفي رواية: إن لأحدهم مثل قوة الثقلين، يسوق أحدهم الأمة على رقبته جبل، فيرمى بهم في النار، ويرمى الجبل عليهم. قوله: (خزنتها) أي يتولون أمرها ويتسلطون على أهلها ولا يتأملون منها، بل هم فيها كخزنة الجنة في الجنة. قوله: (قال بعض الكفار) هو أبو الأشد بن كلدة بن خلف الجمحي، قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، محمد يخبر أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم شجعان، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم، فقال أبو الأشد: أنا أكفيكم منهم سبعة عشر، عشرة على ظهري، وسبعة على بطني، واكفوني اثنين، وفي رواية أنه قال: أنا أمشي بين أيديكم على الصراط، فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن، وتسعة بمنكبي الأيسر في النار، ونمضي فندخل الجنة، فأنزل الله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً }.
قوله: { إِلاَّ فِتْنَةً } مفعول ثاني لجعل على حذف مضاف، أي إلا سبب فتنة، وقوله: { لِّلَّذِينَ } صفة لفتنة، وإنما صار هذا العدد فتنة لهم من وجهين: الأول أن الكفار يستهزئون ويقولون: لم لا يكونون أزيد من ذلك؟ والثاني أن هذا العدد قليل، كيف يتولى تعذيب أكثر العالم من الجن والإنس، من أول ما خلق الله إلى قيام الساعة؟ قوله: { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ } متعلق بجعلنا الثاني، والمعنى: ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد وصدق القرآن، لما رأوا ذلك موافقاً لما في كتابهم. قوله: (من غيرهم) أي غير اليهود فحصل التغاير، فالمراد بالذين أوتوا الكتاب والمؤمنون أولاً اليهود، والمراد بالذين أوتوا الكتاب ثانياً هم النصارى والمؤمنون المذكورون بعدهم من غير اليهود بل من هذه الأمة، فاندفع ما يقال إن في الآية تكراراً. قوله: (بالمدينة) حال من { ٱلَّذِينَ } أي حال كونهم بالمدينة، وهذا من الله إخبار بما سيقع، لأن السورة نزلت قبل الهجرة بمكة.
قوله: { مَاذَآ } الخ، ما اسم استفهام مبتدأ، وذا موصول خبره، و{ أَرَادَ ٱللَّهُ } صلة الموصول، و{ مَثَلاً } حال، والمعنى: ما الذي اراد الله بهذا حال كونه مثلاً لا حقيقة لغربته، لأن هذا العدد أمر غريب لم تسعه عقولنا. قوله: (أي مثل إضلال) اشار به إلى أن الكاف في محل نصب نعت لمصدر محذوف، أي يضل اضلالاً مثل ذلك. قوله: (وهدى مصدقه) بوزن رمى بفتح أوله وسكون ثانيه، أو بضم أوله وفتح ثانيه. قوله: { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } هذا جواب لأبي جهل حين قال: ما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر. قوله: (أي سقر) اعاد الضمير على سقر، ويجوز أن يعود على الآيات المذكورة فيها.
قوله: { إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } أي يتذكرون ويعلمون كمال قدرته تعالى. قوله: (استفتاح بمعنى ألا) أي فأتى بها تعظيماً للمقسم عليه، وحينئذ فالوقف على ما قبلها، وقيل: إنها حرف ردع وزجر، وعليه فيوقف عليها، قوله: (بفتح الدال) أي فإذا ظرف لما يستقبل، ودبر فعل ماض بوزن ضرب، وقوله: (في قراءة) الخ، أي فإذا ظرف لما مضى من الزمان و{ أَدْبَرَ } بوزن أكرم، والقراءتان سبعيتان، والرسم محتمل لكل منهما، إذ الصورة الخطية لا تختلف، وقرئ شذوذاً { إِذْ أَدْبَرَ } بألفين، واختلفوا أهل دبر وأدبر بمعنى واحد، أو أدبر معناه جاء، وأدبر بمعنى مضى، وهو الذي مشى عليه المفسر. قوله: { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } جواب القسم. قوله: (حال من إحدى) هذا أحد احتمالات كثيرة نحو احد عشر وهو اظهرها. قوله: { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ } الخ، هذا وعيد وتهديد نظير قوله:
{ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف: 29].