التفاسير

< >
عرض

لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ
١
وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ
٢
أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ
٣
بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ
٤
بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ
٥
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ
٦
فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ
٧
وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ
٨
وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ
٩
-القيامة

حاشية الصاوي

قوله: (زائدة في الموضعين) أي لتأكيد القسم، ففيه دليل على أن لا تزاد كثيراً في الكلام، سواء كان في أوله أو وسطه، خلافاً لمن يقول. إنها تزاد في وسط الكلام لا في أوله، وقيل: إن { لاَ } نافية لكلام تقدمها، أتى بها رداً على منكري البعث، كأنه قال: ليس الأمر كما زعموا أقسم الخ، كقولك: لا والله. قوله: (التي تلوم نفسها) أي في الدنيا لما شهدت من حقيقتها، وهي العدم وعظيم حق الله عليها، فالعبد وإن قطع نفسه إرباً في عبادة الله وطاعته، لا يفي بحق الله عليه، لأن الفاني لا يقدر على القيام بحق الباقي، واعلم أن الصوفية قسموا النفس إلى سبعة أقسام، الأول: الأمارة وهي نفوس الكفار ومن حذا حذوهم، لا تأمر بخير أصلاً، ومع ذلك راضية بأفعالها محسنة لها. الثاني: اللوامة وهي التي تلوم صاحبها، ولو كان مجتهداً في الطاعة، وهذا مبدأ الخير وأصل الترقي. الثالث: الملهمة وهي التي ألهمت فجورها وتقواها. الرابع: المطمئنة وهي التي اطمأنت بالله، وسكنت تحت مقاديره. الخامس: الراضية وهي التي رضيت عن الله في جميع حالاتها. السادس: المرضية وهي التي جوزيت بالرضا من الله، لأن من رضي له الرضا. السابع: الكاملة هي غاية المراتب. وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون، ومأخذ الجميع من القرآن، فالأمارة من قوله تعالى: { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } [يوسف: 53] واللوامة من هذه الآية، والملهمة من قوله تعالى: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [الشمس: 8] والمطمئنة وما بعدها من قوله تعالى: { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } [الفجر: 27] الآية.
قوله: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ } استفهام وتقريع.قوله: { أَلَّن نَّجْمَعَ } أن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، ولن وما في حيزها خبرها، وجملة أن واسمها وخبرها، سادة مسد مفعولي حسب، وليس بين الهمزة واللام نون في الرسم، بل تكتب الهمزة موصولة باللام. قوله: { بَلَىٰ } جواب لما بعد النفي. قوله: { قَادِرِينَ } حال من فاعل الفعل المقدر الذي دل على { بَلَىٰ } والتقدير: نجمعها حال كوننا قادرين. قوله: { بَنَانَهُ } اسم جمع أو جمع لبنانة. قوله: (وهو الأصابع) أي أطرافها، فالببنان أطراف الأصابع. قوله: (كما كانت) أي في الدنيا. قوله: { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ } إضراب انتقالي. قوله: (ونصبه بأن مقدرة) أي والمصدر المنسيك منه ومن أن مفعول { يُرِيدُ }. قوله: { أَمَامَهُ } منصوب على نزع الخافض أي بأمامه، والمعنى: يريد الإسنان دوام التكذيب بيوم القيامة.
قوله: { يَسْأَلُ أَيَّانَ } هذه الجملة إما بدل من الجملة قبلها، أو مستأنفة بيان، و{ أَيَّانَ } خبر مقدم، و{ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } مبتدأ مؤخر. قوله: (بكسر الراء وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان ولغتان معناه التحير والدهشة، وقيل: { بَرِقَ } بالكسر تحير، وبالفتح لمع من شدة شخوصه، فقوله: (دهش وتحير) تفسير القراءتين. قوله: (وذلك يوم القيامة) إن قلت: إن طلوع الشمس والقمر من مغربهما، ليس في يوم القيامة، بل قبله بمائة وعشرين سنة، أجيب: بأن المراد بيوم القيامة، ما يشمل وقت مقدماته من الأمور العظام.