التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٧٢
وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ
٧٣
وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٧٤
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧٥
-الأنفال

حاشية الصاوي

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ } أي سبق لهم الإيمان والانتقال مع رسول الله من مكة إلى المدينة، وهم السابقون الأولون الذين حضروا الغزوات قبل الفتح، الذين قال الله فيهم للفقراء المهاجرين { الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [الحشر: 8]: قوله: { بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } متعلق بجاهدوا أي بذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله. قوله: { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ }(النبي) أي والمهاجرين، ولم يذكرهم المفسر لأنهم تبع لرسول الله. قوله: (وهم الأنصار) أي الذين قال الله فيهم { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9]. قوله: (في النصرة والإرث) أي فكان الأنصار ينصرون المهاجرين وبالعكس، وكان المهاجري يرث الأنصاري الذي آخاه معه رسول الله وبالعكس. قوله: { وَلَمْ يُهَاجِرُواْ } أي بأن أقاموا بمكة. قوله: (بكسر الواو وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله: { مِّن شَيْءٍ }(من) زائدة، و{ شَيْءٍ } مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله. قوله: (فلا إرث بينكم وبينهم) أي لا إرث بين المهاجرين والأنصار، وبين الذين لم يهاجروا. قوله: (ولا نصيب لهم في الغنيمة) اعترض بأن الغنيمة لا يأخذها إلى من قاتل، وهؤلاء لم يقاتلوا، فالأولى حذف هذه العبارة. قوله: (وهذا منسوخ) اسم الإشارة على ما تقدم، من أن الإرث بين المهاجرين والأنصار ثابت بالإيمان والهجرة، ومنفي بين من لم يهاجر وبين الأنصار والمهاجرين. قوله: (بآخر السورة) أي وهو قوله: { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ }
قوله: { وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ } أي طلبوا منكم النصرة لأجل إعزاز الدين، والضمير عائد على { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ }. قوله: { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } أي من الكفار، وهم أهل مكة. قوله: (وتنقضوا عهدهم) أي الصلح الكائن بالحديبية سنة ست على ترك القتال عشر سنين. قوله: (في النصرة والإرث) أي فهما ثابتان بين الكفار بعضهم لبعض. قوله: (فلا إرث بينكم وبينهم) أي ولا نصرة. قوله: { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ } إن شرطية مدغمة في لا النافية، و{ تَفْعَلُوهُ } فعل الشرط، و{ تَكُنْ } جواب الشرط. والمعنى: إن لم تفعلوا ما ذكر من تولي المؤمنين وقطع الكفار، بل توليتم الكفار، وقطعتم المؤمنين، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، لأنه يترتب على ذلك، قوة الكفار، وضعف المسلمين، وهذا ما حل به المفسر، ويحتمل أن لا زائدة والمعنى: إن تفعلوا ما نهيتم عنه من موالاة الكفار وقطع المؤمنين.
قوله: { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ } إلخ ليس مكرراً مع ما تقدم، لأن ما هنا بيان لفضلهم، وما تقدم بيان لكونهم أولياء بعض، وأيضاً ما تقدم في الهجرة قبل عام الحديبية، وما هنا في الهجرة قبل الفتح، وكان قبل الحديبية أو بعدها. قوله: { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } أي الكاملون في الإيمان بلا شك. قوله: (لهم مغفرة) أي لذنوبهم. قوله: { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي لا تعب فيه ولا مشقة، ويؤخذ من هذه الآية أن جميع المهاجرين والأنصار مبشرون بالجنة من غير سابقة عذاب، وأما ما ورد من أن المبشرين عشرة، فلأنهم جمعوا في حديث واحد. قوله: { مِن بَعْدُ } أي بعد الحديبية قبل الفتح، ولأنه بعد الفتح لا هجرة. قوله: { فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ } أي محسوبون منكم، وفي الآية دليل على أن المهاجرين الأولين أعلى وأجل من المتأخرين بالهجرة، لأن الله ألحقهم بهم، ومن المعلوم أن المفضول يلحق بالفاضل. قوله: { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ } هذه الآية نزلت بعد الفتح، وهي ناسخة للآية المتقدمة، وهي ميراث المهاجرين للأنصار. قوله: (من التوارث) متعلق بأولى. قوله: (أي اللوح المحفوظ) وقيل المراد بها القرآن، لأن قسمة المواريث مذكورة في سورة النساء من كتاب الله وهو القرآن. قوله: (ومنه حكمة الميراث) أي التوارث بمقتضى الإيمان والهجرة بدون قرابة ونسخة والتوارث بالقرابة.