التفاسير

< >
عرض

وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٠٢
-التوبة

حاشية الصاوي

قوله: { وَآخَرُونَ } حاصله أن من تخلف عن تبوك ثلاثة أقسام: قسم منافقون استمروا على النفاق، وقد تقدم ذكرهم في قوله: { { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ } [التوبة: 101] إلى قوله: { { عَظِيمٍ } [التوبة: 101]، وقسم تائبون، اعترفوا بذنوبهم، وبادروا بالعذر لرسول الله، وقد ذكرهم في قوله: { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ } إلى قوله: { فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة: 105]، وقسم لم يبادروا بالعذر، وقد ذكرهم الله بقوله: { { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ } [التوبة: 106] إلى قوله: { { حَكِيمٌ } [التوبة: 106]. قوله: { ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } أي أقروا بذنوبهم لربهم وتابوا منها، وليس المراد اعترفوا للناس وهتكوا أنفسهم، فإن ذلك أمر لا يجوز. قوله: (وهو جهادهم قبل ذلك) أي قبل هذا التخلف. قوله: { وَآخَرَ سَيِّئاً } الواو بمعنى الباء، والمعنى أنهم جمعوا بين العمل الصالح، والعمل السيىء. قوله: (وهو تخلفهم) أي من غير عذر واضح.
قوله: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } أي يقبل توبتهم، والترجي في القرآن بمنزلة التحقيق، لأن { عَسَى } ونحوها تفيد الأطماع، ومن أطمع إنساناً في شيء، ثم حرمه منه، كان عاراً عليه، والله أكرم من أن يطمع أحداً في شيء، ثم لا يعطيه إياه، لأنه وعد، وهو لا يتخلف، وهذه الجملة مستأنفة، ويصح أن تكون خبراً، وجملة { خَلَطُواْ } حالية وقد مقدرة. قوله: (نزلت في أبي لبابة) وهو رفاعة بن عبد المنذر، كان من أهل الصفة، ربط نفسه ثنتي عشرة ليلة، في سلسلة ثقيلة، وكانت له ابنة تحله للصلاة وقضاء الحاجة، وتقدم في سورة الأنفال، أنه أوثق نفسه مرة أخرى بسبب قريظة حتى نزلت توبته. قوله: (وجماعة) قيل عشرة، وقيل ثمانية، وقيل خمسة، وقيل ثلاثة، وقد كانوا تخلفوا عن تبوك، ثم ندموا بعد ذلك، فلما قدم رسول الله من المدينة، حلفوا ليربطن أنفسهم بالسواري، ولا يطلقونها حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقها، ففعلوا، فلما رجع رسول الله رآهم، فقال من هؤلاء؟ فقال له: هؤلاء تخلفوا عنك، فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تطلقهم أنت، وترضى عنهم، فقال: وأنا أقسم بالله، لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى أؤمر بإطلاقهم، فنزلت هذه الآية، فعذرهم وأطلقهم. قوله: (وما نزل في المتخلفين) أي من الوعيد الشديد، حيث قال الله فيهم
{ { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } [التوبة: 81] لآية. قوله: (فحملهم لما نزلت) أي آية { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ }.