التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١١٧
-التوبة

حاشية الصاوي

قوله: { لَقَدْ تَابَ الله } اللام موطئة لقسم محذوف. قوله: (أدام توبته) جواب عما يقال: إن النبي معصوم من الذنوب، والمهاجرون والأنصار لم يفعلوا ذنباً، بل سافروا معه واتبعوه من غير امتناع. وأجيب أيضاً: بأن معنى توبته على النبي، عدم مؤاخذته في إذنه للمتخلفين، حتى يظهر المؤمن من المنافق، ومعنى توبته على المهاجرين والأنصار، من أجل ما وقع في قلوبهم من الخواطر والوساوس في تلك الغزوة، فإنها كانت في شدة الحر والعسر، وقيل إن ذكر النبي تشريف لهم وإنما المقصود ذكر قبول توبتهم، لأنه لم يقع منه صلى الله عليه وسلم ذنب أصلاً حتى يحتاج للتوبة منه.
قوله: { ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } أي وكانوا سبعين الفاً، ما بين راكب وماش، من المهاجرين والأنصار وغيرهم من سائر القبائل. قوله: (أي وقتها) أشار بذلك إلى أن المراد بالساعة الزمانية لا الفلكية والعسر الشدة والضيق، وكانت غزوة تبوك تسمى غزوة العسرة، وجيشها يسمى جيش العسرة، لأنه كان عليهم عسرة في المركب والزاد والماء، فكان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد يعتقبونه. وكان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير، وكان تمرهم يسيراً جداً حتى إن أحدهم إذا جهده الجوع، يأخذ التمرة فيلوكها حتى يجد طعمها، ثم يعطيها لصاحبه، حتى تأتي على آخرهم ولا يبقى إلا النواة، وكانوا من شدة الحر والعطش، يشربون الفرث، ويجعلون ما يبقى على كبدهم. قال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد وعدك خيراً، فادع الله، قال أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع رسول الله يديه، فلم يرجعا حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت، فملؤوا مع معهم من الأوعية، ثم ذهبنا ننظرها، فلم نجدها جاوزت العسكر. قوله: { مَا كَادَ يَزِيغُ } هذا بيان لبلوغ الشدة حدها حتى إن بعضهم أشرف على الميل إلى التخلف، واسم { كَادَ } ضمير الشأن، وجملة { يَزِيغُ } في محل نصب خبرها. قوله: (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله: { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } ذكر التوبة أولاً قبل الذنب، تفضلاً منه وتطييباً لقلوبهم، ثم ذكرها بعده تعظيماً لشأنهم، وتأكيداً لقبول توبتهم. قوله: { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } هذا تأكيد لما تقدم والرؤوف الرفيق بعباده، اللطيف بهم، والرحيم: المحسن المتفضل.