التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٩٨
وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩٩
-التوبة

حاشية الصاوي

قوله: (لأنه لا يرجو ثوابه) أي لعدم إيمانه بالآخرة، وهو تعليل للاتخاذ المذكور قوله: { وَيَتَرَبَّصُ } عطف على { يَتَّخِذُ }. قوله: { ٱلدَّوَائِرَ } جمع دائرة، وهي ما يحيط بالإنسان من المصائب. قوله: (فيتخلصوا) أي من الإنفاق. قوله: (بالضم والفتح) أي فهما قراءتان سبعيتان، وهذا دعاء عليهم بنظير ما أرادوه للمسلمين.
قوله: { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ } إلخ، اعلم أن الأعراب أقسام منهم المنافقون وقد تقدم ذكرهم في قوله: { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً } (ومنهم مؤمنون) وقد ذكروا هنا. قوله: (كجهينة ومزينة) أي وكغفار وأسلم قبائل عظام. قوله: { وَيَتَّخِذُ } فعل مضارع ينصب مفعولين: الأول الاسم الموصول، والثاني { قُرُبَاتٍ } على حذف مضاف، أي سبب قربات، وقوله: { عِندَ ٱللَّهِ } ظرف متعلق بمحذوف صفة لقربات، وقوله: { وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } معطوف على { قُرُبَاتٍ } أي وسبب صلوات الرسول.
قوله: { قُرُبَاتٍ } بضم الراء باتفاق السعبة، جمع قربة، بضم الراء وسكونها، فعلى الضم الأمر ظاهر، وعلى السكون فضم راء الجمع للإتباع لضم قافه، أو جمعاً لمضموم الراء، وقد قرىء بهما في السبع، ومعنى كونها قربات، أنها تقرب العبد لرضا الله عليه، وليس معناه أن الله في مكان، وتلك النفقة تقربه من ذلك المكان، فإنه مستحيل، تعالى الله عنه. قوله: { وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } أي دعواته لأنه الواسطة العظمى في كل نعمة، فتجب ملاحظته في كل عمل لله، لأن الله تعبدنا بالتوسل به، قال تعالى:
{ { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31] فمن زعم أنه يصل إلى رضا الله بدون اتخاذه صلى الله عليه وسلم واسطة ووسيلة بينه وبين الله تعالى، ضل سعيه وخاب رأيه، قال العارف ابن مشيش: ولا شيء إلا وهو به منوط، إذ لولا الواسطة لذهب - كما قيل - الموسوط، وقال بعضهم:

وأنت باب الله أي أمرىء أتاه من غيرك لا يدخل

فهو من باب الله الأعظم وسره الأفخم، والوصول إليه وصول إلى الله، لأن الحضرتين واحدة، ومن فرق لم يذق للمعرفة طعماً، قوله: { أَلاۤ إِنَّهَا } ألا: أداة استفتاح يؤتى بها لأجل الاعتناء بما بعدها. قوله: { قُرْبَةٌ } أي تقربهم لرضا ربهم، حيث أنفقوها مخلصين فيها، متوسلين بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (جنته) أشار بذلك إلى أن المراد بالرحمة الجنة، من إطلاق الحال وإرادة المحل، لأن الجنة محل للرحمة.