التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ
٦
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
٧
وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
٨
-الزلزلة

حاشية الصاوي

قوله: { يَوْمَئِذٍ } بدل من { يَوْمَئِذٍ } قبله، ومنصوب بـ { يَصْدُرُ }. قوله: (من موقف الحساب) أي وقيل: يرجعون من قبورهم إلى ربهم. قوله: { أَشْتَاتاً } حال من { ٱلنَّاسُ } جمع شتيت، وقوله: (متفرقين) أي على حسب وصفهم بالإيمان وضده، وتفاوتهم في الأعمال، فأهل الإيمان على حدة، وأهل الكفر على حدة، فآخذ ذات اليمين إلى الجنة، وآخذ ذات الشمال إلى النار قوله: { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } متعلق بـ { يَصْدُرُ } وهو من الرؤية البصرية، يتعدى بالهمز إلى اثنين، أولهما: الواو التي هي نائب الفاعل، وثانيهما: أعمالهم.
قوله: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } الخ، تفصيل للواو في قوله: { لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } قال مقاتل: نزلت في رجلين: أحدهما كان يأتيه السائل، فيستقل أن يعطيه التمرة والكسوة والجوزة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير، كالكذبة والغيبة والنظرة ويقول: إنما وعد الله تعالى النار على الكبائر، فنزلت هذه الآية لترغيبهم في القليل من الخير يعطونه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:
"اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" ، ولتحذرهم اليسير من الذنب. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً" . وقال ابن مسعود: هذه الآية أحكم آية في القرآن وأصدق، وقال كعب الأحبار: لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } إن قلت: كيف عم، مع أن حسنات الكافر محبطة بالكفر، وسيئات المؤمن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر؟ أجيب بأن المعنى يرى كل من المؤمن والكافر حسناته وسيئاته مكتوبة في الصحف، ولا يلزم من رؤيتها جزاؤه عليها، لما ورد عن ابن عباس: ليس من مؤمن وكافر عمر خيراً كان أو شراً، إلا أراه الله إياه، فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فترد حسناته تحسراً ويعذب بسيئاته، وهذا يساعده النظم الكريم. قوله: (زنة نملة صغيرة) أي وكل مائة منها وزن حبة شعير، وأربع ذرات وزن خردلة، وقال ابن عباس: إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها، فكل واحدة مما لزق من التراب ذرة، وفسر الذرة بضعهم بالهباءة التي ترى طائرة في الشعاع الداخل من الكوة، وقيل: الذرة جزء من ألف وأربعين جزءاً من الشعيرة.
قوله: { خَيْراً } تمييز من { مِثْقَالَ } وكذا { شَرّاً } ويصح أنهما بدلان من { مِثْقَالَ } و{ يَرَهُ } في الموضعين جواب الشرط مجزوم بحذف الألف وهي قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بإثباتها ويكون مجزوماً بحذف الحركة المقدرة على حد قول الشاعر:

إذا العجوز غضبت فطلقى ولا ترضاها ولا تملقى

وفي الهاء قراءتان سبعيتان، إحداهما سكونها وقفاً ووصلاً في الحرفين، والثانية بضمها وصلاً، وسكونها وقفاً.
فائدة: ورد أن
"من قرأ { إِذَا زُلْزِلَتِ } أربع مرات، كان كمن قرأ القرآن كله" . وورد عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم قال: "{ إِذَا زُلْزِلَتِ } تعدل نصف القرآن، و{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن، و{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } تعدل ربع القرآن" .