التفاسير

< >
عرض

تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
١٦
-السجدة

حقائق التفسير

قوله تعالى: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ } [الآية: 16].
قال سهل: إنَّ الله وهب لقومه هبة وهو أذن لهم فى مناجاته وجعلهم من أهل وسيلته وصفوته وخيرته ثم مدحهم على ذلك إظهارًا للكرامة بأن وقفهم لما وقفهم له ثم مدحهم عليه فقال: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ }.
قال ابن عطاء: جفت جنوبهم وأبت أن تسكن على بساط الغفلة وطلب بساط القربة والمناجاة وأنشد:

جَفَتْ عينى عن التغميض حتى كأن جفونها عنها قصار
كـأن جفونهـا ثُملت بشوك فليس لنومه فيهـا قرار
قـول ولـيتنى تزداد طـولاً أيا ليلى لقد بعد النهار

قوله تعالى: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } [الآية: 16].
قال جعفر: خوفًا منه وطمعًا فيه.
وقال بعضهم: خوفًا من النار وطمعًا فى الجنة.
وقال محمد بن على: خوفًا من سخطه وطمعًا فى رضوانه.
وقال: خوفًا من القطيعة وطمعًا فى الوصلة.
وقال سهل: خوفًا من هجرانه وطمعًا فى لقائه.
وقال الواسطى رحمة الله عليه: الخوف والرجاء زمامان للنفوس لئلا تخرج إلى رعوناتها لأنه لا يعطى بالرجاء ولا يدفع بالخوف.
وقال أيضًا: الخوف ظلم يتحير صاحبها تحتها يطلب المخرج، فإذا جاء الرجاء بضيائه خرج إلى مواضع الراحة فغلب عليه التمنى.
قال أحمد بن يسع السجزى: مَن عَبَدَ اللهَ بالخوف دون الرجاء وقع فى بحر الحيرة ومن عَبَد الله بالمحبة دون الخوف والرجاء وقع فى بحر التعطيل، ومن عَبَد الله بالخوف والرجاء والمحبة نال الاستقامة فى الدين.
وقال أبو العباس بن عطاء رحمة الله عليه فى قوله: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً }. قال: قوم يدعونه خوفًا من سخطه وطمعًا فى ثوابه. والأوساط يدعونه خوفًا من اعتراض الكدورة فى المحبة وصفاء المعرفة، والأجِلَّة يدعونه خوفًا من قطعه وطمعًا فى دوام الوداد لأن الخوف من شرائط الإيمان.
وقال بعضهم خوف الهيبة وطمع المحبة.
وقال أبو سعيد الخراز: سألت بعض العارفين عن الخوف فقال: أشتهى أن أرى رجلاً يدرى أيش الخوف فإن أكثر الخائفين خافوا على أنفسهم لا من الله وشفقة على أنفسهم وعملوا فى خلاصها من الله والخائفون خافوا لحظوظهم والخائف من الله العزيز.
وقال الحسن: خوف الأنبياء والأولياء وأرباب المعارف خوف التسليط وخوف الملائكة خوف مكر الله وخوف العامة خوف تلف النفس والرجاء والطمع عين التهمة.