التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ
٣٢
-فاطر

حقائق التفسير

قوله تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ } [الآية: 32].
قال الحسن البصرى رحمة الله عليه: السابق من رجحت حسناته، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاتة، والظالم الذى ترجح سيئاته.
وقال جعفر الصادق رحمة الله عليه: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } فرق المؤمنين ثلاث فرق سماهم مؤمنين أولاً، عبادنا: أضافهم إلى نفسه تفضلاً منه وكرمًا ثم قال: { ٱصْطَفَيْنَا } جعلهم كلهم أصفياء مع علمه بتفاوت معاملاتهم ثم جمعهم فى آخر الآية بدخول الجنة فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } [الآية: 33]، ثم بدأ بالظالمين إخبارًا أنه لا يتقرب إليه إلاَّ بصرف كرمه وأن الظلم لا يؤثر فى الاصطفائية ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء. ثم ختم بالسابقين لأن لا يأمن أحد مكره، وكلهم فى الجنة لحرمة كلمة الإخلاص.
قال الجنيد رحمة الله عليه: لما ذكر الميراث على أن الخلق فيه خاص وعام وأن الميراث لمن هو أقرب وأصح نسبًا فتصحيح النسبة هو الأصل. قال: الظالم الذى يحبه لنفسه، والمقتصد الذى يحبه له والسابق أسقط عنه مراده لمراد الحق فيه فلا يرى لنفسه طلبًا ولا مرادًا لغلبة سلطان الحق عليه.
سئل الثورى عن قوله: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } على ماذا عطف بقوله ثم؟ قال: عطف على إرادة الأزل والأمر المقضى، قال: ثم أورثنا من الخلق الذين سبقت لهم منا الاصطفائية فى الأزل.
وقال عبد العزيز المكى: المغفرة للظالمين والرحمة على المقتصدين والقربى للسابقين.
وقال حارث المحاسبى: الظالم نظر من نفسه فى دنياه وآخرته فيقول فى دنياه وآخرته نفسى نفسى والمقتصد نظر من نفسه إلى عقباه وهو فى الآخرة ناظر إلى مولاه، والسابق من نظر من الله إلى الله فلم ير غير الله فى دنياه وعقباه.
وقال أبو الحسن الفارسى: سبحان من أثبت أسامى الظالمين فى ديوان السابقين ثم جمع بينهم فى محل الإرث فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا } وإن الله اصطفى جملة الموحدين من جملة الكافرين فكانوا عبادًا مخصوصين فسوى بينهم أن لا يعتمد السابق على سبقه ولا ييأس الظالم من ظلمه.
وقيل فى قوله: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ... } الآية، قال: فيه تعزية وتهنئة وما من تعزية إلاَّ وتحتها تهنئة ولا تهنئة إلاَّ وتحتها تعزية فلما قال: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } كان ذلك تهنئة له وتعزية للظالم، ثم ذكر السابق بالخيرات وفى ذلك تهنئة له وتعزية للمقتصد لأن الله يقول:
{ { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 10-11] والظالم لنفسه افتقر إلى حال المقتصد والمقتصد لم يفتقر إلى حال الظالم لنفسه والمقتصد افتقر إلى حال السابق والسابق لم يفتقر إلى حال المقتصد لأن من نال أعلى المراتب فقد جاز ما دونه والمقتصد قد جاز مرتبة الظالم لنفسه ونال ما هو أعلى منه والسابق قد جاز مرتبة المقتصد ونال أعلى منها فلا يفتقر إلى ما هو دونها.
قال بعضهم: الظالم هو طالب الدنيا، والمقتصد طالب العقبى، والصادق طالب المولى.
قال الحسين: الظالم الباقى مع حاله والمقتصد الفانى فى حاله والسابق المستغرق فى فناء حاله.
قال بعضهم: الظالم محجوب بالغفلة والمقتصد واقف فى طلب الثواب والسابق فانٍ فى رؤية الصفات.
قال النصرآباذى فى قوله: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ } قال: لا ميراث إلاَّ عن نسبة صحح النسبة ثم ادَّعى الميراث.
وقال أيضًا: ميراث الكتاب الذين فهموا عن الله كتابه وكُلٌّ فهم على قدره والظالم فهم منه محل المعرفة والثواب والعقاب والمقتصد فهم محل الجزاء والإعراض والجنان والسابق استرقه التلذذ بالخطاب عن أن يرجع منه إلى شىء سواه.
قال بعضهم: الظالم نظر من النعمة إلى المنعم والمقتصد نظر من المنعم إلى النعمة، والسابق نظر من المنعم إلى المنعم لم يكن منه فضلاً أن يلاحظ شيئًا سواه أو يشهد غيره.
قال أبو يزيد - رحمة الله عليه -: فى قوله { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ... } الآية. قال الظالم مضروب بسوط مقتول بسيف الحرص مضطجع على باب الرجاء والمقتصد مضروب بسوط الحسوة مقتول بسيف الندامة مضطجع على باب الكرامة والسابق مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على باب الهيبة.
وقال بعضهم: الإسلام للظالمين والإيمان للمقتصدين والإحسان للسابقين.
وقال محمد بن على الإيمان للظالمين والمعرفة للمقتصدين والحقيقة للسابقين.
وقال أبو يزيد رحمة الله عليه الظالم فى ميدان العلم والمقتصد فى ميدان المعرفة والسابق فى ميدان الوجد.
قال ابن عطاء: العبادة غاية الظلم لنفسه والعبودية غاية المقتصدين ونهايتهم والعبودية تحقيق ومشاهدة للسابقين.
قال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: الظالم معذور والمقتصد معاتب والسابق ناج مقرَّب.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الظالم مضروب بسوط الغفلة مقتول بسيف الأمل مطروح على باب الرحمة والمشيئة، والمقتصد مضروب بسوط الندامة مقتول بسيف الحسرة مطروح على باب الفقر والسابق مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مطروح على باب المشاهدة والبشرى واللقاء.
قال ابن عطاء: قدم الظالم كى لا ييأس من فضله. وقال: السابق مقدم بسبقه لكن أظهر لطفه وكرمه بتقديم الظالم ليعرفوا كرمه ويرجعوا إليه.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: الظالم لنفسه وهو على وجهين أحدهما يظلم نفسه فيحرمها حظها من الدنيا وظالم لنفسه يحرمها حظها من الآخرة فالظالم لنفسه الذى يحرمها حظها من الشهوات والإرادات من حظوظ الدنيا وظالم لنفسه بأن حرمها شهوة الآخرة حتى لا يطلب الجنة والثواب لأجل نفسه فإن كليهما من حظوظ النفس بل طلب ربه على غير حظ للنفس فيه فهذا الظالم على هذا المعنى مقدم على المقتصد والسابق فإن المقتصد والسابق طالبان حظوظهما وواقعان مع أنفسهما ذا واقف مع نفسه وذا واقف مع اقتصاده وهذا ظلم نفسه وأفناها ومنعها حظوظها فهو فانٍ عن حظوظه فلذلك يسبق السابقين.
قال ابن عطاء: يحتاج قائل كلمة التوحيد إلى ثلاثة أنوار: نور الهداية ونور الكفاية ونور الرّعاية والعناية فمن مَنّ الله عليه بأنوار الهداية فهو معصوم من الشرك والنفاق ومن مَنّ عليه بأنوار الكفاية فهو معصوم من الكبائر والفواحش ومن مَنّ الله عيه بأنوار الرّعاية والعناية فهو محفوظ من الخطرات الفاسدة والحركات التى هى لأهل الغفلات فالنور الأول للظالم والنور الثانى للمقتصد والنور الثالث للسابق.
سمعت النصرآباذى يقول: القرب من الدرجات العلى والمقامات الأرفع بالإرث والإرث بصحة النسب فمن صح النسبة وجد الميراث ولا يأخذ ميراث الحق إلا من نسبه الحق وإلى الحق دون الأنساب والوسايط، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"يقول الله عز وجل: اليوم أرفع نسبى وأضع نسبكم، أين المتقون؟" .
قال الواسطى - رحمة الله عليه -: { أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ } أورثهم علمًا حين عَلَّمهم بنفسه فقال: { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [الرحمن: 1-2].
قال القاسم فى هذه الآية: ليس كل من اصطفيناه لمعنى يتم له المعانى أجمع إلا أن يتم له ذلك فيتم له ألاَ تراه يقول: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } فهو من الاصطفائية على الطرف.
قال أيضًا: فى هذه الآية { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } قال: المكلف لها ما لا تطيق من الطاعة يعنى ما فوق الطاعة من الطاعة.
وقال: (المقتصد) المتوسط فى الفعل (والسابق) هو الفاعل بلا احتباء ولا عدد فالظالم ها هنا محمود وإن كان اللفظ فيه مذمومًا.
قال القاسم: فى قوله { أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ } أى أبقينا بركة الكتاب على ما أنزلناه عليهم وهم المصطفون لم يحرم الظالم بركة الكتاب لظلمه ولا المقتصد ولا السابق كلٌ نال منه حظه فالمحروم من حرم حظه منه أجمع.
قال القاسم فى قوله: { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } قال: الناس على ثلاثة أثلاث فى الدنيا إما فى الحسنات وإما فى السيئات وإما فى الشهوات وفى الآخرة إما فى الدرجات وإما فى الدركات وإما فى الحسبانات فمن كان فى الدنيا فى الحسنات فهو فى الآخرة فى الدرجات ومن كان فى الدنيا فى السيئات فهو فى الآخرة فى الدركات ومن كان فى الدنيا فى الشهوات فهو متحير فى الحسبانات.
وقال يحيى بن معاذ { ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } قال: هم أمة محمد حين روى عنه أنه قال:
"سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له" . صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّمَ كثيرًا.
وقال يحيى: اصطفاهم عن كدورتهم وأخلصهم لفهم القرآن والقيام بحدوده. وأيضًا: اصطفاهم بالمشاهدة والموافقة ولما أسر إليهم من مجالسته ومؤانسته.
قال الواسطى - رحمة الله عليه -: أخرجوا بالفضل وغذوا بالفضل ويريدون الفضل بلا مواساة ولا مكافأة ولا عوض من ذلك.
قال قائل: من أهل الحقيقة أنه من كرمه لا يقبل إلا معيب بحال وقيل: إنه لا يقبل إلا كل مجيب يجيبه لخطابه وهداه لقرائه واشتملت عليه أنواره وظهرت عليه آثاره فى أزليته وصفاهم عند خلقتهم.
وقال جعفر: النفس ظالمة والقلب مقتصد والروح سابق.
وقال أيضًا: من نظر بنفسه إلى الدنيا فهو ظالم ومن نظر بقلبه إلى الآخرة فهو مقتصد ومن نظر بروحه إلى الحق فهو سابق.
وقال محمد بن على الترمذى: الاصطفائية أوجبت الإرث والاصطفائية جمعت بين الظالم والمقتصد والسابق فالظالم لنفسه على الظاهر سابق فى ميدان الاصطفائية لذلك قدّمه وأزال العلل عن العطايا فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا }.
وقال القاسم: الظالم ذاكر والمقتصد متذكر والسابق غير ذاكر ومتذكر لأنه ليس فى حد الغفلة والنسيان فيذكر ويتذكر ومعناه: أن الظالم ينساه وقت معصيته فيذكره فى وقت توبته والمقتصد يتكلف فى ذكره ويجتهد فى أن لا ينساه والسابق لا ينساه فى وقت فيحتاج أن يذكره. وأنشد القاسم:

أبلغ أخاك أخا الإحسان مخبرة أنى وإن كنـت لا ألقـاه ألقـاه
وإن طرفى مـوصول برؤيتـة وإن تباعد عن مثواى مثـواه
الله يعلم أنى لسـت أذكـره وكيف أذكره إذ لست أنساه

وأنشد أيضًا:

لا لأنى أنساك أكثر ذكـراك ولكن بـذاك يجرى لسـانى

قال بعضهم: الظالم يراه فى مقدار الجمعة من أيام الدنيا والمقتصد يراه فى اليوم مرة والسابق على الأرائك ينظرون لا يغيبون عن المشاهدة بحال.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت محمد بن زرعان يقول فى قوله: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } وهم الهمج الذين لا خير فيهم { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } يعمل على سبيل النجاة { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } العالم الربّانى.
قال بعضهم: ذكر الله الاصطفائية فى مواضع من كتابه فقال:
{ { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } [النمل: 59] ولم يبين من هم وكيف هم ما حليتهم حتى ذكر فى موضع آخر فقال: { { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } [الحج: 75] عم الاصطفاء ثم قال: { أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } فأكرمهم بالاصطفائية ثم بَيّن أنهم متفاوتون فى تلك الاصطفائية فقال: هم عباد أصفياء إلاَّ أنهم على درجات منهم ظالم بالرّكون إليها واتباع شهواتها ومنهم مقتصد قائم بطاعة ربه وربما يقع له التفات إلى النفس فيغفل غفلة فى شىء من المخالفات ومنهم سابق بالخيرات وهو الذى أسقط عنه رؤية النفس أجمع فلا يراها ولا يلتفت إليها ولا يسكن إلى شىء منها.
وقال بعضهم: الظالم لاهٍ عن سؤاله فإذا انتبه سأل عن طريقة الأمر والنهى والمقتصد يسأل عن طريقة الجنة والسابق يسأل عن طريق الاستقامة.
قال بعضهم: الظالم مشغول عن الذكر والمقتصد مشغول بالذكر والسابق اشتغل بالمذكور عن الذكر.
قال بعضهم: سؤال الظالم الهداية والوقاية من النار وسؤال المقتصد العناية فى دخول الجنة وسؤال السابق الهداية إلى الرب ليزول عنه الكرب.
وقال محمد بن على الترمذى: لكل نوع من هؤلاء الثلاثة نوع من السؤال أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم. فسؤال الظالم: أسألك الإيمان بك والكفاف من الرزق، وسؤال المقتصد: أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وسؤال السابق: أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك.
قال بعضهم: الظالم من يكون أعماله بعضها رياء وبعضها إخلاص والسابق من يخلص عمله لله.
قال بعضهم: الظالم من أخذ الدنيا من حلال وحرام والمقتصد من يجتهد أن لا يأخذها إلاَّ من حلال والسابق من ترك الدنيا جملة وأعرض عنها.
قال أبو عثمان: من وحَّد الله بلسانه ولم يوافق فعله قوله فهو ظالم ومن وحَّد الله بلسانه وأطاعه كرامة فهو مقتصد ومن وحّده بلسانة وأطاعه بجوارحه وأخلص له عمله فهو سابق.
قال بعضهم: الظالمون هم الذين نزلوا عن الصحابة والمقتصدون هم عامة الصحابة والسابقون هم المهاجرون الأولون.
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز بمصر يقول: قال ابن عطاء: الظالم هو الذى يحبه لأجل الدنيا والمقتصد الذى يحبه من أجل العقبى والسابق الذى أسقط مراده لمراد الحق فيه فلا يرى لنفسه طلبًا ولا مرادًا لغلبة الحق عليه وسلطانه.
قال بعضهم: الظالم هو الذى يريد بطاعته كرامة الخلق وإجلالهم له والمقتصد الذى يريد بطاعته الجنة والسابق الذى حمله حب الأمر والنهى ورضا الأمر عن أن يريد به شيئًا سواه.
قال بعضهم: الظالم الناظر إلى صفته والمقتصد المبتغى به فضلاً والسابق الذى يرى فضل الله عليه فيما وفقه للعمل.
قال بعضهم: الظالم من هو ظاهره خير من باطنه والمقتصد الذى استوى ظاهره وباطنه والسابق الذى باطنه خير من ظاهره.
وقال بعضهم: ميراث الكتاب لمن يظلم نفسه ويحملها ما لا تطيق من أنواع المجاهدات فتكون أوقاته كلها مستوفاة لا يكون لنفسه نفس فى مراده ويقتصد فى طلب الدنيا وما يبعده عن ربه ويقطعه عنه ويسبق السابقين فى البدار إلى ميادين الرضا ومعادن الحقيقة لذلك.
قال السيد الماضى: السباق السباق قولاً وفعلاً حذر النفس حسرة المسبوق.
قال بعضهم: الظالم الطالب للدنيا متمتعًا بها، والمقتصد الطالب لها متزودًا منها، والسابق التارك لها والمعرض عنها.
قال بعضهم: الظالم الذى يعبده خوفًا من النار والمقتصد الذى يعبده طمعًا فى الجنة والسابق الذى يعبده له لا لسبب.
قال بعضهم: الظالم الزاهد والمقتصد العارف والسابق المحب المشتاق.
قال بعضهم: الظالم الواعظ بلسانه والمقتصد الواعظ بعمله والسابق الواعظ بسره.
قال بعضهم: الظالم المظهر لفقره والمقتصد المُسرّ لفقره والسابق المستغنى بفقره.
قال بعضهم: الظالم الذى يجزع عند البلاء والمقتصد الذى يصبر على البلاء والسابق الذى يتلذذ بالبلاء.
قال بعضهم: الظالم من غلبت نفسه قلبه والمقتصد من غلب قلبه نفسه والسابق من كان قلبه ونفسه فى حراسة الحق.
قال بعضهم: الظالم فى الطلب والمقتصد فى الهرب والسابق متمكن.
قال بعضهم: الظالم فى طلب وهو يرجو أن يجد المقتصد طلب ووجد البعض ويرجو الإتمام والسابق مطلوب.
قال بعضهم: الزبير قاصد والمقتصد وارد والسابق مامكن فالقاصد شغله فى قصده والوارد شغله فيما ورد عليه منه وفيما ورد عليه والمتمكن نسى منزله لما عاين من حسن قيام الله به وله، وهؤلاء ثلاثة: قوم غابوا عن وصفهم وحظهم والأوقات وقوم جازوا درجة النعوت والصفات وقوم اشتملت عليهم أنوار الذات فهم فى أنواره يتقلبون وعن حكمه ينطقون.
قال بعضهم: الظالم النفس لأنها لا تألف الحق أبدًا والمقتصد القلب لأنه ساعة وساعة والسابق الروح لأنها لا تغيب عن المشاهدة.
قال محمد بن على الترمذى: الظالم نفسه إلى عفو الله والمقتصد إلى رضا الله والسابق بالخيرات إلى رضوان الله ورضوان الله أكبر.
قال بعضهم: الظالم المقتصر على الفرائض دون النوافل والسنن والمقتصد الجامع بينهما والسابق الذى مُكِّن من معاملته على المشاهدة.
قال ابن عطاء: حمد الظالمين على العادة وحمد المقتصدين على اللذة وحمد السابقين على المسابقة.
قال بعضهم: الظالم الراكن إلى الدنيا لا يريد الاستراحة منها ولا يكاد ينزع من طلبها والمقتصد الراكن إليها ويتمنى نجاته منها والسابق الذى نبل قدره وكرمت نفسه أن يحدث بشىء منها.
وقال بعضهم: الظالم الذى يعبده على الغفلة والعادة والمقتصد الذى يعبده على الرغبة والرَّهبة والسابق الذى يعبده على الهيبة والاستحقاق ورؤية المنة.
وقال بعضهم: الظالم الذى يأكل الدنيا بالتمتع والشهوة والمقتصد الذى يأكلها من حلال والسابق الذى يأكل للقيام بالخدمة.
وقال بعضهم: الظالم المجتهد والمقتصد المستقيم والسابق الصدّيق.
قال بعضهم: الظالم العالم بأحكام الله والمقتصد العالم بأسماء الله وصفاته والسابق العالم بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه.
قال بعضهم: الظالم لنفسه آدم والمقتصد إبراهيم والسابق محمد صلى الله عليه وسلم.
قال بعضهم: الظالم نفسه أعطى فمنع والمقتصد أعطى فبذل والسابق منع فشكر.
وقال بعضهم: الظالم غافل والمقتصد طالب والسابق واجد.
قال بعضهم: الظالم من استغنى بماله والمقتصد من استغنى بدينه والسابق من استغنى بربه. وقال: قدم الظالم لأنه لم يكن له شىء يتكل عليه إلا ربه فاعتمده واتكل عليه وعلى رحمته واتكل المقتصد على حسن ظنه بربه واتكل السابق على حسناته.
قال بعضهم: قدم الظالم يعرّفه أن ذنبه لا يبعده من ربه وأخرَّ السابق ليعلمه أن المنة له عليه فى طاعته حيث وفَّقه لذلك وأن لا يؤمنه ذلك من طرده وإبعاده وذكر المقتصد فى الوسط منزلة بين المنزلتين.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: السابق العلماء والمقتصد المتعلمون والظالم الجهَّال.
وقال أيضًا: السابق الذى اشتغل بمعاده والمقتصد الذى اشتغل بمعاده ومعاشه والظالم الذى اشتغل بمعاشه عن معاده.
وقال ابن عطاء - رحمة الله عليه -: الظالم النفس والمقتصد القلب والسابق الروح.