التفاسير

< >
عرض

لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥

حقائق التفسير

قال عبد العزيز المكى: لهم فى الجنة ما تبلغه أمانيهم من النعيم ثم نزيدهم من عندنا ما لا يبلغه السمع وهو شهيد.
قال الشبلى: موعظة القرآن لمن كان له قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين.
قال يحيى بن معاذ: القلب قلبان قلب قد احتشى باشتغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من أمر الطاعات لم يدر ما يصنع من شغل قلبه بالدنيا وقلب قد احتشى بأحوال الآخرة حتى إذا حضر أمر من أوامر الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه فى الآخرة فانظر كم بين بركة تلك الأوهام وشؤم هذه الأشغال الفانية التى أقعدتك عن الطاعات.
قال أبو بكر الوراق: للقلب ستة أشياء حياة وموت وصحة وسقم ويقظة ونوم، فحياته الهدى وموته الضلالة وصحته الطهارة والصفا وعلته الكدورة والعلاقة ويقظته الذكر ونومه الغفلة ولكل واحد من ذلك علامات فعلامات الحياة الرغبة والرهبة والعمل بهما والميت بخلاف ذلك وعلامات الصحة القوة واللذة والسعى والسقم بخلاف ذلك وعلامات اليقظة السمع والبصر والتدبير والمنام بخلاف ذلك.
قال جعفر: يعنى قلباً يسمع ويعقل ويبصر فكل ما سمع الخطاب بلا واسطة فيما بينه وبين الخلق يغفل ما مر عليه بالإيمان والإسلام من غير مسألة ولا شفيع ولا وسيلة كانت له عند الله فى الأزل ويبصر قدرة القادر البارئ فى نفسه وملكوته وأرضه وسمائه فاستدل بها على وحدانيته وفردانيته وقدرته ومشيئته.
قال بعضهم: { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } قال: ما كان عليه قلوب الأبرار والأخيار.
قال بعضهم: من كان له قلب سليم من الأعراض سليم من الأمراض.
وقال الحسين: لمن كان له قلب قال: لا يخطر فيه إلا شهود الرب وأنشد لنفسه:

أنعى إليك قلوباً طالما هطلت سحائب الوحى فيها أبحر الحكم

قال ابن عطاء: قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فدان له وانقطع إليه عما سواه.
قال الواسطى رحمة الله عليه: أى لذكرى لقوم واحد لا لسائر الناس: { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أى فى الأزل وهم الذين قال الله تعالى:
{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } [الأنعام: 122].
قال ابن سمعون: { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } يعنى يعرف آداب الخدمة وآداب القلب ثلاثة أشياء فالقلب إذا ذاق طعم العبادة عتق من رق الشهوة فمن وقف عن شهوته فقد وجد ثلاثة آداب ومن افتقر إلى ما لم يجد بعد الاشتغال بما وجد ثلثى الأدب والثالث هو الامتلاء بالذى بدأ بالفضل عند الوفاء تفضلاً.
قال محمد بن على: موت القلب من شهوات النفوس فكلما رفض شهوته نال من الحياة بقسطها.
قال القاسم فى قوله: { أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } قال: هم الأنبياء فإن الله خلقهم للمشاهدة يشهدون له بقلوبهم عند إقبالهم وإدبارهم فإنه المنشئ والمبدئ والمعيد.
قال الواسطى فى هذه الآية: ما تنفع المشاهدة ما دامت مقارنة للآمال ولا تنفع العلوم ما دامت مفارقة للأعمال.
وقال بعضهم: خلق الله الأنبياء للمشاهدة ليشهدونه بقلوبهم وقد وصفهم الله فى كتابه: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [الآية: 37] أى يشهد ما قرب منه وما بعد عنه وذلك لمشاهدة الحق إياه.
قال سهل: القلب رقيق يؤثر فيه الشىء اليسير فاحذروا عليه من الخطرات المذمومة فإن أثر القليل عليه كثير.
وقال الحسين: بصائر المبصرين ومعارف العارفين ونور العلماء الربانيين وطرق السابقين المناجين من الأزل وللأبد وما بينهما من الحدث غيره: { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ }.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال ابن عطاء: هو القلب الذى يلاحظ الحق فيشاهده ولا يغيب عنه خطرة ولا فترة فيسمع به بل يسمع منه ويشهد بل يشهده فإذا لاحظ القلب بعين التخويف فزع وارتعد وهاب إذا طالعه بعينى الجمال والجلال هدأ واستقر.
قال ابن عطاء: { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } قال: موعظة بالغة لمن كان له قلب يصبر ويقوى على التجريد والتفريد له حتى يخرج من الدنيا والخلق فلا يشتغل بغيره ولا يركن إلى سواه.
قال الصبيحى: { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } خاطب أصحاب القلوب لأن القلوب فى قبضة الحق يقلبها كيف يشاء ووسعه وصفاه من الدنق ونقاه وشرحه وفسَّحه ثم حشاه محبته وإيمانه ويقينه لذلك خاطب أصحاب القلوب بخصائص ما أودع فيها.
قال القاسم: لمن كان له قلب حى وألقى السمع إلى كل موعظة وذكر وهو شهيد يشهد ربه بقلبه وروحه فيستفيد منه طرف الفوائد الموجودة فى تلك المشاهدة.
قال ابن عطاء: قلب لاحظ الحق بعين التعظيم فَدان وانقطع عما سواه وإذا لاحظ القلب الحق بعين التعظيم لاَن وحسن.
قال أبو سعيد الخراز: قلب المؤمن رأس ماله وزاد المريد موضع نظر الحق.
وقال بندار بن الحسين: القلب مضغة وهو محل الأنوار وموارد الزوائد من الخيار وبها يصح الاعتبار جعل القلب للأسر أميراً فقال: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } ثم جعله لربه أسيراً فقال:
{ { يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [الأنفال: 24].
سمعت محمد بن عبد الله الرازى يقول: سمعت أبا بكر محمد بن موسى رحمة الله عليه يقول: خلق الله الخلق فجعل الأنبياء للمشاهدة لقوله: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } فحقيقة المشاهدة هؤلاء الأنبياء.
وقال بعضهم: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } قال: حاضر القلب.
وقال أبو سعيد الخراز: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } لا يستمع القرآن وهو أن يسمعه كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه ثم يترقى عن ذلك كأنه يسمعه من جبريل وقراءته فى النبى صلى الله عليهما وسلم لقوله:
{ { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [الشعراء: 193] ثم يرقى كأنه يسمعه من الحق: { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ } } [الإسراء: 82] وهذا تأويل قوله: { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }.
وقال جعفر فى قوله: { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } قال: إذا هَمَّ عوقب القلب على المكان ولا يعرفه إلا العلماء بالله.
سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت ابن عيون الضراب يقول: قال الحارث بن أسد المحاسبى: سمى القلب قلباً لأنه يتقلب فى الأمور وإنما جعل مصدره الصدر لأنه تصدر منه العلوم.
وقال بعض الحكماء: القلب قلب كما سمى مسميه إذا سمى وعلا تمت معانيه.