التفاسير

< >
عرض

وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ
٢١
-الذاريات

حقائق التفسير

قال الواسطى رحمة الله عليه: تعرف إلى قوم بصفاته وأفعاله وهو قوله: { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } وتعرف إلى الخواص فى ذاته فقال: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } [الفرقان: 45].
قال بعضهم فى قوله: { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } فمن لم يبصرها ولم يعرفها أضاع حظه منها.
قال بعضهم: أى علامات ودلالات فى الحق لمن أيقن الحق حيث يعرفه الحق.
قال الحسين: إذا عرج على نفسه بأن نفسه لنفسه ومن لم يعرج على حملته كان مجشماً له بين خلقه لخلقه وكان كأن لم يزل خوطب بلسان الأزل وجميع نعوته عدم بقوله: بلى فكان المخاطب لهم والمجيب عنهم بلى هم.
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزار يقول: قال ابن عطاء فى قوله: { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } إنكم لا تدركونها وكيف تدركون من له السماوات ومشيئته نافذة فى كل شىء.
قال أبو الحسين: العبد يعرف نفسه على قدر حضوره واستعماله للعلم وعلى قدر رجوعه إلى الله نعمه وفضله وكلياته إذ ذاك ينجو من الاستدراج.
وقال الواسطى رحمة الله عليه: فى كتاب إلى أهل بلخ إن الله تعالى ذكره بدأ الخلق بلا مشير وصوّرهم بلا تفكير وقدر أمورهم بأحسن التقدير فوقّت الأوقات وقدّر الأقوات وأنبتهم من الأرض نباتاً ابتدأهم نطفاً ثم أنشأهم انشاءً ثم نقلهم من طبق إلى طبق وجعلهم مضغاً بعد العلق ثم جعلهم بعد المضغة لحماً ثم كسى العظم لحماً ثم أنشأناها خلقاً آخر ثم شفق فيه الشقوق وخرق فيه الخروق وأمرج فيه العصب ومدّ فيه القصب وجعل العروق السائرة كالأنهار الجارية بين القطع المتجاورة وألبسه جلداً ومدّه عليه مداً ثم أولج الروح فى الجسد فإذا الجوارح سليمة والقامة مستقيمة وإذا هو بعد أن كان مواتاً حياً وبعد أن لم يكن شيئاً فشيئاً متحركاً بعد السكون فى رقة ولين بين أحشاء متحركة وضلوع متسقة ولهوات فى فم يجد منها كل مطعم وأنف وخيشوم يأخذ بها كل منسوم أُيّد بلسان ناطق يشهد أنه ليس من صنع الخلائق حكمة إلاَّ أظهرها الحكيم ثم قال: { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } فهذه عبرة أهل الافتكار والبصيرة والأفكار والحكمة والإتقان.