التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ
١٧٢
-الأعراف

حقائق التفسير

قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [الآية: 172].
قال أبو سعيد الخراز فى هذه الآية قال: تراءى لأهل الإيمان بالسكون فعرفوه وسكنوا واطمأنوا، وتراءى لأهل الكفر بالتعظيم فطاشت عقولهم وتفرقوا عنه.
وقال يوسف فى هذه الآية: قد أخبر أنه خاطبهم ربهم وهم غير موجودين إلا بإيجاده لهم، إذ كانوا واجدين للحق من غير وجودهم لأنفسهم، كان الحق بالحق فى ذلك موجود بالمعنى الذى لا يعلمه غيره ولا يجده سواه.
قال بعضهم فى قوله: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } من غير مشاهدة، ثم كوشفوا فشهدوا ما خوطبوا به، فقالوا { شَهِدْنَآ } أى شاهدنا حقائق حقك وقال الحسين: أنطق الذر بالإيمان طوعًا. وكرهًا أنطقتهم بركة الآخذ أحدهم عنهم، ثم أشهدهم حقيقته فأنطقت عنهم القدرة من غير شركة كان لهم فيه.
وقيل: إن توحيد الخاص أن يكون العبد قائمًا بسره بين يدى ربه، يجرى عليه تصاريف تدبيره وأحكام تقديره فى بحار توحيده، بالفناء عن نفسه وذهاب نفسه بقيام الحق به فى مراد منه، فيكون كما كان قبل أن يكون، كما قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } الآية.
قال النصرآباذىرحمه الله فى هذه الآية: مؤيل الأكبر ومالف الأعظم، معافون من السلالة والطين وما بعده من النطف والمضغ أفأنتم فى حملة للأخذ الأول، أم مردودون إلى ميعاد الأخذ فى السلالات والمضغ والنطف، فإن أخذ للأول بأول للأول وهو بأول للأول أول.
وقال النصرآباذى: أخذ ربك تلطفًا وتكرمًا بل أخذه جلالة وعظمة، بل أخذه غنى واستغناءً.
وقال أيضًا: أخذ لا للحاجة بل للحجة فمنع الخلق حاجتهم أن يَرَوا ذرة من معانى الحجة.
وقال أبو عثمان المغربى: وسُئل عنه ما الخلق؟
قال: قوالب تجرى عليها أحكام القدرة، وقال: أخذ ربك من معدن إلى معدن ومن معدن للمعدن.
وقال الجريري فى قوله: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } قال: تعرف إلى كل طائفة من الطوائف بما منحها من معرفته فقال: { بَلَىٰ } وكلٌ أقر بما مخ ثم أخرجهم من صلب آدم فقال:
{ { كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } [آل عمران: 103] وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: { { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [الأنفال: 62].
قال أبو سعيد الخراز فى قوله { بَلَىٰ } قال: من قال حين قال: ومن أين أجابوا عنهم إلا القدرة والنافذة والمشيئة التامة وهل كانوا إلا رسمًا لأحكام مليك.
وهل هم الآن إلا أشباح تختلف عليهم تصاريف تدبيره.
وقال بعضهم: خطب منصوب القدرة فى عين العدم.
قال ابن بنان فى هذه الآية: قد أخبرك أنه قد خاطبهم وهم غير موجودين إلا بوجوده لهم، إذ كان واجد الخليقة بغير معنى وجودها لأنفسها بالمعنى الذى لا يعلمه غيره ولا يجده سواه، فقد كان واجدًا مخاطبًا شاهدًا عليهم بديًا فى حال فنانهم عن بقائهم الذى كانوا به، كذلك هو الوجود الربانى والإدراك الإلهى الذى لا ينبغى إلا له.
وقال فى قوله: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } خوطبوا بهذا الكلام وأيش كانوا فقال: كانوا موجودين فى القدرة مغيبين عن شهود التوحيد.
قيل: إنما أجيب عنهم على حسب الاستسلام فهذا مقام الفناء، وقد تقدمت الستلة الإجابة فالعالم يجرى فى التسخير من حيث التمكين فى قبضة الحق.
قال الحسين: لا يعلم أحد من الملائكة المقربين ما أظهر الخلق وكيف الانتهاء والابتداء، إذ الألسنة ما نطقت والعيون ما أبصرت والآذان ما سمعت، كيف أجاب من هو عن الحقائق غائب وإليها آيب فى قوله: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } فهو المخاطب وهو المجيب.
وقال الحسين فى قوله: { بَلَىٰ }: القائل عنكم سواكم والمجيب غيركم، فسقطتم أنتم وبقى من لم يزل كما لم يزل.
وسُئل على بن عبد الرحيم عن قوله: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ } قال: كانوا موجودين فى القدرة مغيبين عن شهود الوجود.
قال الواسطى رحمة الله عليه فى قوله: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } قالوا بلى: "قال: هو تقرير فى صورة السؤال.
وقال بعضهم: القدرة أجابت القدرة.
وقيل فى قوله { بَلَىٰ } قالوا: سمعوا كلامه أن
{ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11] وخلق حياتهم من ذلك النور وجعل قوام جميعهم بتلك الكلمة. وأنشد:

لَو يَسمَعون كَما سَمعت كلامَه خَرُّوا لِعِزَّةِ رُكَّعًا وسُجُودًا

قال ابن بنان: لله خالصة من خلقه، انتخبهم للولاية واستخلصهم للكرامة وأفردهم به له، فجعل أجسادهم دنياوية وأرواحهم نورانية وأذهانهم روحانية وأوطان أرواحهم غيبية، وجعل لهم فسوحًا فى غوامض غيوب الملكوت الذين أوجدهم لديه فى كون الأزل، ثم دعاهم فأجابوا سراعًا، أجاب تركيبهم حين أوجدهم لديه في كون الأزل، ثم دعاهم فأجابوا الدعوة منَّةً منه، وعرفهم نفسه حين لم يكونوا فى صدرة الإنسية، ثم أخرجهم بمشيئته خلقًا فأودعهم صلب آدم، فقال: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } فأخبر أنه خاطبهم وهم غير موجودين إلا بوجوده لهم، إذ كانوا غير واجدين للحق إلا بإيجاده لهم فى غير وجودهم لأنفسهم، وكان الحق بالحق فى ذلك موجودًا.