التفاسير

< >
عرض

عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً
٢١
-الإنسان

حقائق التفسير

قوله تعالى: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [الآية: 21].
قال سهل: فرَّق الله بهذه اللفظة بين الطهور والطهر وبين خمر الجنة وخمور الدنيا فخمور الدنيا نحبسه تنجس صاحبها وشاربها الآثام وخمر الجنة طهور تطهر شاربها من كل دنس وتصلحه لمجلس القدس ومشهد العز.
قال بعضهم فى قوله: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ... } الآية إنّ لله شرابًا طاهرًا شهيًا ادّخرها فى كنوز ربوبيته لأوليائه وأصفيائه يفجر لهم من ينبوع المعرفة فى أنهار المنة فسقاهم ربهم بكأس المحبة شرابًا طهورًا فإذا شربوا بقلوبهم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله سقاهم ذلك فى الدنيا فى ميدان ذكره بكأس محبته على منابر أنسه بمخاطبة الإيمان وسقاهم فى الآخرة فى ميدان قربه بكأس رؤيته على منابر النور بمخاطبة العيان سقاهم فى الدنيا الماء البارد العذب حظ أجسامهم وسقاهم فى الآخرة برؤية ما وعدهم من أنواع الكرامات.
قوله تعالى: { وَسَقَاهُمْ }.
قال جعفر: سقاهم التوحيد فى اسر فنأى هو عن جميع ما سواه فلم يفيقوا إلاَّ عند المعاينة ورفع الحجاب فيما بينهم وبينه وأخذ الشراب فيها أخذ عنه فلم يبق عليه منه باقية وحصله فى ميدان الحصول والقبضة.
سمعت أبا بكر الرازى يقول: سمعت طيب الحمال يقول: صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فقرأ قوله: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } فجعل يحرك فمه كأنه يمص شيئًا فلما فرغ من الصلاة قيل له: أتشرب أم تقرأ؟ قال: والله لو لم أجد لذته عند قراءته كالذى عند شربه ما قرأته.
وقال فارس منهم من سقاهم شراب الهداية فهداه ومنهم من سقاه شراب التوحيد فيسره ومنهم من سقاه شراب الولاية فوالاه ومنهم من سقاه شراب المعرفة فقرّبه وأدناه.
قال بعضهم: من ظهر الحق فى الدنيا سره عن رؤية السعايات بالموافقات والمخالفات وبردت الدنيا فى صدره سقاه الله فى الآخرة شرابًا طهورًا.
وقال جعفر: بقوله: { شَرَاباً طَهُوراً } طهّرهم به عن كل ما سواه إذ لا طاهر من يدنس بشىءٍ من الأكوان.
وقال أبو سليمان الرازى: سقاهم ربهم على حاشية بساط الود فأزواهم عن صحبة الخلق وأراهم رؤية الحق ثم أقعدهم على منابر القدس وحيّاهم بتحف المزيد وأمطر عليهم مطر التأييد فسالت عليهم أودية الشوق والقرب وكفاهم هموم الفرقة وحباهم بسرور القربة.
وقال بعضهم فى قوله: { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } قال: صب على صدورهم ماء المحبة فشرحت صدورهم بنور المحبة ولانت بنور المعرفة وانفسحت جوارحهم بنور الطاعة وبردت ضمائرهم بنسيم الهيبة وأحيا أرواحهم بنور القربة فيا له من ساقى ويا لها من مسقى.
وقال بعضهم فى هذه الآية: سقوا شراب المودة فى كأس المحبة فى دار الكرامة فسكروا بها فمشوا فى ميدان الشوق ولم يفيقوا لشىء غير الرؤية.