التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ
٤٠
-النازعات

حقائق التفسير

قوله تعالى: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } [الآية: 40].
قال بعضهم: علم مقام الله بأسبابه فى الدنيا وخاف من وقوفه يوم القيامة بين يديه.
قال ذو النون - رحمة الله عليه -: مقامات الخائفين عشرة الحزن الدائم والفقر الغالب والخشية المقلقة وكثرة البكاء والتضرع والهرب من طريق الراحة وكثرة الوله وحل القلب وتنغيص العيش وموافقة الكمد.
وقال بعضهم: من تحقق فى الخوف ألهاه خوفه عن كل مفروج به وألزمه الكمد إلى أن يظهر له الأمن من خوفه.
قوله تعالى: { وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [الآية: 40].
قال سهل: لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين ليسوا كلهم وإنما من سلم الهوى تحركوا ولم يتم هواهم حتى ركَّب فيهم الشهوات وهو تمام الهوى وقال الشهوة والهوى يغلبان العقل والبيان.
قال أبو بكر الوراق: لم يجعل فى الدنيا والآخرة شىء أخبث من الهوى المخالف للحق.
وقال الفضيل أفضل الأعمال خلاف هوى النفس، قال الله تعالى: { وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ }.
وقال الجريرى: من أجاب الله فى هذا الخطاب أقبل على المجاهدة والمكابدة وأفنى عمره فى مخالفة نفسه.
قال الجنيد - رحمة الله عليه -: أرقت ذات ليلة فقمت إلى وِرْدِى فلم أجد ما كنت أجد من الحلاوة فأردت النوم فلم أقدر عليه وأردت القعود فلم أطق ففتحت الباب وخرجت إلى السكة فلما سرت إلى أقصى السكة فإذا رجل ملتف فى عباءة مطروح فلما أحس بى رفع رأسه وقال لى: يا أبا القاسم إلى الساعة فقلت: يا سيدى من غير موعد تقدم. قال لى: بلى سألت محرك الأشياء أن يحرك إلىّ قلبك فقلت له: يا سيدى قد فعل فما حاجتك؟ قال: يا أبا القاسم متى يصير داء النفس دواءها؟ قلت: إذا خالفت هواها صار دواءها فأقبل على نفسه وهو يقول: اسمعى قد أجبتك بهذا الجواب سبع مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من أبى القاسم وقد سمعتيه فانصرفتُ عنه ولم أقف عليه ولم أعرفه.