التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ
٥٢
وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٣
وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ
٥٤
-يوسف

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ }.
إنما أراد اللَّهُ أن يُظْهِرَ براءةَ ساحةِ يوسف، لأنه علم أنهم يستحقون العقوبة على ما يبسطون فيه من لسان الملامة وذكر القبيح، ولم يُرِدْ يوسف أن يصيبَهم بسببه - من قِبلِ اللَّهِ - عذابٌ شَفَقَةً منه عليهم، وهذه صفةُ الأولياءِ: أن يكونوا خَصْمَ أَنْفسِهم، ولهذا قيل: الصوفي دمه هَدرٌ ومِلْكُه مُبَاحُ - ولذلك قال:
{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
لمَّا تمدَّح بقوله: { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } كأنه نودي في سِرِّه: ولا حين همَمْتَ؟ فقال::{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ }.
ويقال: قوله: { لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } بيانُ الشكر على ما عصمه الله، وقوله: { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } بيانُ العُذْرِ لما قصَّر في أمر الله، فاستوجب شكرُه زيادةَ الإحسان، واستحقَّ بعذره العفوَ.
والعفو بادٍ من قوله:
{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ }.
لما اتضحت للملِك طهارةُ فِعْلِه ونزاهةُ حالِه استحضره لاستصفائه لنفسه، فلمَّا كَلَّمَه وسَمِعَ بيانَه رَفَعَ مَحلَّه ومكانه، وضمنه بِرَّه وإحسانَه، فقال: { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ }.