التفاسير

< >
عرض

وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ
٨٤
-يوسف

لطائف الإشارات

تولَّى عن الجميع - وإن كانوا أولادَه - ليُعْلَمَ أَنَّ المحبةَ لا تُبْقي ولا نَذَرْ.
ويقال أراد إخوةُ يوسفَ أن يكونَ إقبال يعقوب عليهم بالكليَّة فأَعْرَضَ، وتولَّى عنهم، وفَاتَهُم ما كان لهم، ولهذا قيل: مَنْ طَلَبَ الكُلَّ فاته الكلُّ.
ويقال لم يَجِدْ يعقوبُ مُساعِداً لنفسِه على تأسفه على يوسف فتولَّى عن الجميع، وانفرد بإظهار، أسفه، وفي معناه أنشدوا:

فريدٌ عن الخِلاَّنِ في كل بلدةٍ إذا عَظُمَ المطلوبُ قَلَّ المُساعِدُ

ويقال كان بكاءُ داود عليه السلام أكثرَ من بكاء يعقوب عليه السلام، فلم يذهب بَصَرُ داود وذهْب بَصَرَ يعقوب؛ لأن يعقوب عليه السلام بكى لأَجْلِ يوسف ولم يكن في قدْرةِ يوسف أن يحفظَ بصره من البكاء لأجله، وأمَّا داود فقد كان يبكي لله، وفي قدرة الله - سبحانه - ما يحفظ بَصَرَ الباكي لأَجْلِه.
سمعتُ الأستاذ أبا علي الدقاق -رحمه الله - يقول ذلك، وقالرحمه الله : إن يعقوبَ بكى لأجل مخلوقٍ فذهب بَصَرَهُ، وداود بكى لأَجْل الله فبقي بَصَرُه.
وسمعته -رحمه الله - يقول: لم يقل الله: "عَمِيَ يعقوب" ولكن قال: { وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ }، لأنه لم يكن في الحقيقة عَمَىً، وإنما كان حجاباً عن رؤية غير يوسف.
ويقال كان ذهابُ بصرِ يعقوب حتى لا يحتاج إلى أن يرى غير يوسف، لأنه لا شيءَ أشدُّ على الأحبابِ من رؤية غير المحبوب في حال فراقه، وفي معناه أنشدوا:

لما تَيَقَّنْتُ أني لَسْتُ أُبْصرِكم أغمضتُ عيني فلم أنظر إلى أحد

وسمعت الأستاذ أبا علي الدقاقرحمه الله يقول: كان يعقوب عليه السلام يتسلَّى برؤية بنيامين في حال غيبة يوسف، فلما بقي عن رؤيته قال: { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } أي أنه لما مُنِعَ من النظر كان يتسلى بالأثر، فلمَّا بقي عن النظر قال: يا أسفا على يوسف.