التفاسير

< >
عرض

مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٧
-النحل

لطائف الإشارات

الصالح ما يصلح للقبول، والذي يصلح للقبول ما كان على الوجه الذي أمر الله به. وقوله: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً }: في الحال، { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }: في المآل؛ فصفَاءُ الحالِ يستوجِبُ وفاءَ المآلِ، والعملُ الصالحُ لا يكون من غير إيمان، ولذا قال: { وَهُوَ مُؤْمِنٌ }.
ويقال { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي مصدِّقٌ بأن إيمانه من فضل الله لا بعمله الصالح. ويقال { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي مصدِّقٌ بأن عمله بتوفيق الله وإنشائه وإبدائه. قوله: { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }: الفاء للتعقيب، { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ... } الواو للعطف ففي الأولى مُعَجَّل، وفي الثانية مؤجَّل، ثم ما تلك الحياة الطيبة فإنه لا يُعْرَف بالنطق، وإنما يعرف ذلك بالذوق؛ فقوم قالوا إنه حلاوة الطاعة، وقوم قالوا إنه القناعة، وقوم قالوا إنه الرضا، وقوم قالوا إنه النجوى، وقوم قالوا إنه نسيم القرب... والكل صحيحٌ ولكلِّ واحدٍ أهل.
ويقال الحياة الطيبة ما يكون مع المحبوب، وفي معناه قالوا:

نحن في أكمل السرور ولكنْ ليس إلا بكم يَتِمُّ السرورُ
عَيْبُ ما نحن فيه يا أهلَ ودِّي أنكم غُيِّبٌ ونحن حُضُورُ

ويقال الحياة الطيبة للأَولياء ألا تكون لهم حاجةٌ ولا سؤالٌ ولا أَرَبٌ ولا مُطَالَبَةٌ وفرقٌ بين من له إرادة فتُرْفَع وبين من لا إرادةَ له فلا يريد شيئاً، الأولون قائمون بشرط العبودية، والآخرون مُعْتَقُون بشرط الحرية.