التفاسير

< >
عرض

وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً
٢٨
-الكهف

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }.
قال: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } ولم يقل: " قلبك" لأن قلبه كان مع الحقِّ، فأمره بصحته جَهْرَاً بجهر، واستخلص قلبه لنفسه سِرَّاً بِسرِّ.
ويقال { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }: معناها مريدين وجهه أي في معنى الحال، وذلك يشير إلى دوام دُعائِهم ربهم بالغداة والعشيّ وكون الإرادة على الدوام.
ويقال: { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }: فآويناهم في دنياهم بعظائمنا، وفي عقباهم بكرائمنا.
ويقال: { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }: فكشف قناعَهم، وأظهر صفَتهم، وشَهَرَهم بعدما كان قد سَتَرَهم، وأنشدوا:

وكشفنا لكَ القناعَ وقلنا نعم وهتكنا لك المستورا

ويقال لما زالت التُّهمُ سَلِمَتْ لهم هذه الإرادة، وتحرروا عن إرادةِ كلِّ مخلوقٍ وعن محبةِ كل مخلوق.
ويقال لمَّا تقاصَرَ لسانُهمِ عن السؤال هذه الجملة مراعاةً منهم لهيبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحُرْمَةِ باب الحقِّ - سبحانه - أمَرَه بقوله: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } وبقوله:
{ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا }.
أي لا ترفع بصَرَك عنهم، ولا تُقلِعْ عنهم نظرك.
ويقال لما نظروا بقلوبِهم إلى الله أَمَرَ رسولَه - عليه السلام - بألا يرفعَ بَصَرَه عنهم، وهذا جزاء في العاجل.
والإشارة فيه كأنه قال: جعلنا نظرك اليوم إليهم ذريعةً لهم إلينا، وخَلَفَاً عما يفوتهم اليوم من نظرهم إلينا، فلا تَقْطَعْ اليومَ عنهم نَظَرَكَ فإنا لا نمنع غداً نظرهم عنَّا.
قوله جلّ ذكره: { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }.
هم الذين سألوا منه - صلى الله عليه وسلم - أن يُخْلِيَ لهم مجلسَه من الفقراء، وأن يطردهَم يوم حضورهم من مجلسه - صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
ومعنى قوله: { أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا }: أي شغلناهم بما لا يعنيهم.
ويقالك: { أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } أي شغلناهم حتى اشتغلوا بالنعمة عن شهود المِنْعِم.
ويقال هم الذين طوَّح قلوبَهم في التفرقة، فهم في الخواطر الرَّدِيّة مُثْبَتُون، وعن شهود مولاهم محجوبون.
ويقال أغفلنا عن ذكرنا الذين ابْتُلُوا بنسيان الحقيقة لا يتأسَّفُون على ما مُنُوا به ولا على ما فَاتَهُم.
ويقال الغفلةُ تزجيةُ الوقتِ في غيرِ قضاءِ فَرْضٍ أو أداء نَفْلٍ.