التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٣١
-البقرة

لطائف الإشارات

الإسلام هو الإخلاص وهوا الاستسلام، وحقيقته الخروج عن أحوال البشرية بالكلية من منازعات الاختيار ومعارضات النفس، قال: { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }: قابلت الأمر بالسمع والطاعة، واعتنقت الحكم على حسب الاستطاعة. ولم يدخل شيئاً من ماله وبدنه وولده، وحين أُمِرَ بذبح الولد قصد الذبح، وحين قال له خلِّه من الأسر (عمل) ما أُمِرَ به، فلم يكن له في الحالين "اختيار" ولا تدبير.
ويقال إن قوله: { أَسْلَمْتُ }: ليس بدعوى من قِبَلِه لأن حقيقة الإسلام إنما هو التَّبري من الحوْل والقوة، فإذا قال: { أَسْلَمْتُ } فكأنه قال أَقِمْني فيما كلفتني، وحَقِّق مني ما بِه أمرتني. فهو أحال الأمر عليه، لا لإظهار معنى أو ضمان شيء من قِبَلِ نفسه.
ويقال أَمَرَه بأن يستأثر بمطالبات القدرة؛ فإن من حلَّ في الخلَّة محلَّه يحل به - لا محالة - ما حَلَّ به.
ويُسأَلُ ها هنا سؤال فيقال: كيف قال إبراهيم صلوات الله عليه: { أَسْلَمْتُ } ولم يَقُلْ نَبيُّنا صلى الله عليه وسلم حينما قيل له اعْلم "علمت"؟.
والجواب عن ذلك من وجوه: منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"أنا أعلمكم بالله" ولكن لم يَرِد بعده شرع فكان يخبر عنه بأنه قال علمت.
ويقال إن الله سبحانه أخبر عن الرسول عليه السلام بقوله: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ } لأن الإيمان هو العلم بالله سبحانه وتعالى، وقول الحق وإخباره عنه أتمُّ من إخباره - عليه السلام - عن نفسه.
والآخر أن إبراهيم لما أخبر بقوله: { أَسْلَمْتُ } اقترنت به البلوى، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يتحرز عما عو صورة الدعوى فَحُفِظَ وكُفِيَ.
والآخر أن إبراهيم عليه السلام أُمِرَ بما يجرى مجرى الأفعال، فإن الاستسلامَ به إليه يشير. ونبينا صلى الله عليه وسلم أُمِر بالعلم، (ولطائف العلم أقسام).