التفاسير

< >
عرض

وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٨٧
-الأنبياء

لطائف الإشارات

{ مُغَاضِباً }: على مَلِكِ وقته حيث اختاره للنبوة، وسأله: لِمَ اخترتَني؟ فقال: لقد أوْحَى اللَّهُ إلى نَبِي: أنْ قُلْ لفلانِ المَلِك حتى يختار واحداً لِيُرْسَلَ إلى نينوى بالرسالة. فَثَقُلَ على ذي النون لما اختارَه المَلِكُ، لأن علم أن النبوةَ مقرونةٌ بالبلاء، فكان غضبُه عليه لذلك.
ويقال مغاضباً على قومه لمَّا امتنعوا عن الإيمان وخرج من بينهم.
ويقال مغاضباً على نفسه أي شديد المخالفة لهواه، وشديداً على أعداء الدين من مُخَالِفيه.
{ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي أنْ لن نُضَيِّقَ عليه بطن الحوت، ومن قوله:
{ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } [الفجر: 16] أي ضيَّق.
ويقال فظنَّ أن لن نقدر عليه من حَبْسِه في بَطْنِ الحوت.
وخرج من بين قومه لَمَّا أُخْبِرَ بأنَّ الله يُعَذِّب قومَه، وخرج بأهله.
ويقال إن السبعَ افترس أهله في الطريق، وأخذ النَّمِرُ ابناً صغيراً له كان معه، وجاء موج البحر فأغرق ابنَه الآخر، وركب السفينة، واضطرب البحر، وتلاطمت أمواجُه، وأشرفَتْ السفينةُ على الغرق، وأخذ الناسُ في إلقاء الأمتعة في البحر تخفيفاً عن السفينة، وطلباً لسلامتها من الغَرَقِ، فقال لهم يونس: لا تُلْقُوا أمْتِعَتَكم في البحر بل أطرحوني فيه فأنا المجرم فيما بينكم لتخلصوا. فنظروا إليه وقالوا: نرى عليكَ سيماء الصلاح، وليست تسمح نفوسُنا بإلقائك في البحر، فقال تعالى مخبراً عنه:
{ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } [الصافات:141] أي فقارعهم، فاستهموا، فوقعت القُرْعَةُ عليه.
وفي القصة أنه أتى حَرْفَ السفينة، وكان الحوتُ فاغراً فاه، فجاء إلى الجانب الآخر فجاء الحوت إليه كذلك، حتى جاز كل جانب. ثم لمَّا عَلِمَ أنه مُرَادٌ بالبلاء ألقى نَفْسَه في الماء فابتلعه الحوت "وهو مليم": أي أتى بما يُلام عليه، قال تعالى:
{ فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } [الصافات: 142].
وأوحى الله إلى السمك: لا تَخْدِشْ منه لَحْماً ولا تَكْسِرْ منه عَظْماً، فهو وديعةٌ عندك وليس بِطُعْمَةٍ لك. فَبَقِي في بطنه - كما في القصة - أربعين يوماً.
وقيل إن السمك الذي ابتلعه أُمِرَ بأن يطوف في البحر، وخلق الله له إدراك ما في البحر، وكان ينظر إلى ذلك.
ويقال إن يونس عليه السلام صَحِبَ الحوتَ أياماً قلائل فإلى القيامة يقال له: ذا النون، ولم تبطل عنه هذه النسبة.. فما ظَنُّكَ بِعَبْدٍ عَبَدَه - سبحانه - سبعين سنة، ولازم قلبه محبته ومعرفته طولَ عمره... ترى أيبطل هذا؟ لا يُظَنُّ بِكَرَمِهِ ذلك!
{ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ } يقال ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت - هذا بيان التفسير، ويحتمل أن تكون الظلمات ما التبس عليه من وقته واستبهم عليه من حاله.