التفاسير

< >
عرض

وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ
١٨
-المؤمنون

لطائف الإشارات

أنزل من السماءِ ماءَ المطر الذي هو سببُ حياةِ الأرضين، وذلك بقدرٍ معلومٍ. ثم.. البلادُ مختلفةٌ في السَّقْي: فبعضها خِصْبٌ، وبعضها جَذْبٌ، وسَنةً يزيد وسنةً ينقص، سنةً يفيض وسنةً يغيض.
كذلك أنزلنا من السماءِ ماءَ الرحمة فيحيي القلوب، وهي مختلفة في الشُّرْب: فمِنْ موسَّع عليه رزقه منه، ومِنْ مُضَيَّقٍ مُقَتَّرٍ عليه. ومِن وقتٍ هو وقت سحٍّ، ومنْ وقتٍ هو وقت حَبْسٍ.
ويقال ماء هو صوب الرحمة يزيل به دَرنَ العُصَاةِ وآثارَ زلّتِهم وأوضارَ عثرتِهم. وماء هو سقي قلوبهم يزيل به عطَشَ تحيهم، ويحيي به موات أحوالهم؛ فَتَنْبُت في رياض قلوبهم فنونُ أزهار البسط، وَصنوف أنوار الروح. وماءٌ هو شراب المحبة فيخص به قلوباً بساحات القرب، فيزيل عنها به حشمة الوصف، وَيسكن به قلوباً فيعطلها عن التمييز، وَيحملها على التجاسرِ ببذلِ الرُّوح؛ فإذا شربوا طَرِبوا، وإذا طَرِبوا لم يُبالوا بما وَهَبوا.