التفاسير

< >
عرض

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ
٣١
-القصص

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ }.
يا موسى.. اخْلَعْ نعليكَ وألقِ عصاك، وأقِمْ عندنا هذه الليلة، فلقد تَعِبْتَ في الطريق - وذلك إن لم يكن في النقل والآثار فهو مما يليق بتلك الحال.
يا موسى.. كيف كُنْتَ في الطريق؟ كيف صَعَّدْتَ وكيف صوَّبت وكيف شرَّقْتَ وكيف غَرَّبْتَ؟ ما كنتَ في الطريق وحدَك يا موسى! أحصَيْنا خُطَاكَ - فقد أحصينا كلَّ شيءٍ عَدَداً. يا موسى.. تعِبْتَ فاسترحْ، وبعد ما جِئْتَ فلا تَبْرَحْ - كذلك العبدُ غداً إذا قطع المسافةَ في القيامةِ، وتبوَّأَ مَنْزِلَه من الجنة؛ فأقوامٌ إذا دخلوها رجعوا إلى منازلهم ثم يوم اللقاء يستحضرون، وآخرون يمضون من الطريق إلى بساط الزلفة، وكذا العبد أو الخادم إذا دَخَلَ بَلَدَ سلطانِه. يبتدئ أولاً بخدمة الشُّدَّةِ العَلِيَّةِ ثم بعدها ينصرف إلى منزله. وكذلك اليوم أمرنا؛ إذا أصبحنا كلَّ يوم: ألا نشتغِلَ بشيءٍ حتى نَفْتَتِحَ النهارَ بالخطاب مع الحقِّ قبل أن نخاطِبَ المخلوق، نحضر بساط الخدمة - أي الصلاة - بل نحضر بساط الدنوِّ والقربة، قال تعالى:
{ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } [العلق: 19]: فالمُصَلِّي مُنَاج رَبَّه. ولو عَلِمَ المُصَلِّي مَن يناجي ما التفت؛ أي لم يخرج عن صلاته ولم يلتفت يميناً ولا شمالاً في التسليم الذي هو التحليل.
قوله جل ذكره: { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ }.
عندما انقلبت العصا حَيَّةً وَلَّى موسى مُدْبِراً ولم يعقب، وكان موضع ذلك أن يقول: حديثٌ أَوَّلُه تسليطُ ثعبان! مَنْ ذا يُطِيقُ أوَّلَه؟!.
فقيل له: لا تَخَفْ يا موسى؛ إن الذي يَقْدِرُ أَنْ يَقْلِبَ العصا حيةً أن يَخْلُقَ لك منها السلامة: { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ }: ليس المقصودُ مِنْ هذا أنت، إنما أثبت هذا لأسلطَه على عدوِّك، فهذه معجزتُك إلى قومك، وآيتُك على عدوِّك.
ويقال: شتان بين نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - وبين موسى عليه السلام؛ رجع من سماع الخطاب وأتى بثعبان سَلّطَه على عدوِّه، ونبينا - صلى الله عليه وسلم - رجع بعد ما أُسْرِيَ به إلى السماء، وأوحى إليه ما أوحى - لِيُوَافِيَ أُمَّتَه بالصلاة التي هي المناجاة، وقيل له: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال:
"السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" .