التفاسير

< >
عرض

مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ
١٠
-فاطر

لطائف الإشارات

مَنْ كان يريد العزة بنفسه فَلْيَعْلَمْ أَنَّ العزةَ بجملتها لله، فليس للمخلوق شيءٌ من العِزَّة. ويقال مَنْ كان يريد العزةَ لنفسه فللَّه العِزَّةُ جميعاً، أي فليطلبها من الله، وفي آية أخرى أثبت العزة للَّهِ ولرسوله وللمؤمنين، وقال ها هنا { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً }؛ وَوَجْهُ الجميع بينها أن عِزَّ الربوبية لله وَصْفاً، وعزَّ الرسول، وعزّ المؤمنين لهم فضلاً من الله ولطفاً؛ فإذاً العِزَّةُ لله جميعاً. وعزُّه سبحانه - قُدْرتَُه. أو ويقال العزيز هو القاهر الذي لا يُقْهَرُ؛ فيكون من صفات فعله على أول القولين.. ومن صفات ذاته على القول الآخر. ويقال العزيز هو الذي لا يُوصَلُ إليه مِنْ قولِهم: أرضٌ عَزاز إذا لم تستقر عليها الأقدام، فيرجع معناه إلى جلال سلطانه.
ويقال العزيز الذي لا مِثْلَ له؛ من قولهم؛ عَزَّ الطعام في اليد. فيرجع إلى استحقاقه لصفات المجد والعلو.
قوله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ }: الكلم الطيب هو الصادرُ عن عقيدةٍ طيبةٍ - يعني الشهادتين - عن إخلاص. وأراد به صعودَ قَبُولٍ، لأنَّ حقيقةَ الصعود في اللغة بمعنى الخروج - ولا يجوز في صفة الكلام.
{ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }: أي يقبله. ويقال العملُ الصالحُ يرفع الكَلِمَ الطيب. ويقال الكَلِمُ الطيبُ ما يكون موافقاً للسُّنَّة، ويقال هو ما يشهد بِصِحَّتِه الإذنُ والتوقيف. ويقال هو نُطْقُ القلبِ بالثناء على ما يستوجبه الربُّ. ويقال هو ما يكون دُعاءً للمسلمين. ويقال ما يتجرد حقاً للحقِّ ولا يكون فيه حَظٌّ للعبد. ويقال ما هو مُسْتَخْرَجٌ من العبد وهو فيه مفقود. ويقال هو بيانُ التنصُّل وكلمة الاستغفار.
ويقال العمل الصالح ما يصلح للقبول، ويقال الذي ليس فيه آفة ولا يُطْلَبُ عليه عِوَضٌ.
قوله جلّ ذكره: { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }.
أي يَقْلِبُ عليهم مَكْرَهم فيما يتوهمونه من خيرٍ لهم يَقْلِبُه محنةً عليهم. ويقال: تَخْلِيَتُه إياهم ومَكْرَهم - مع قدرته على عصمتهم، وكَوْنُه لا يعصمهم هي عذابهم الشديد.