التفاسير

< >
عرض

وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ
١٤٥
-الأعراف

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ }.
وفي الأثر: أن موسى عليه السلام كان يسمع صريرَ القلم، وفي هذا نوع لطف لأنه إنْ منع منه النظر أو منعه من النظر فقد علله بالأثر.
قوله جلّ ذكره: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ }.
فيه إشارة إلى أن الأَخْذَ يُشير إلى غاية القرْبِ، والمراد ها هنا صفاءُ الحال، لأن قربَ المكانِ لا يَصِحُّ على الله سبحانه.
قوله جلّ ذكره: { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا }.
فَرْقٌ بين ما أمر به موسى من الأخذ وبين ما أمره أن يأمر به قومه من الأخذ، أَخْذُ موسى عليه السلام من الحق على وجهٍ من تحقيق الزلفة وتأكيد الوصلة، وأَخْذُهُم أخذُ قبولٍ من حيث التزام الطاعة، وشتان ما هما!.
قوله: { بِأَحْسَنِهَا } بمعنى بِحُسْنِهَا، ويحتمل أن تكون الهمزة للمبالغة يعني: بأحسنها ألا تعرِّج على تأويل وارجع إلى الأَوْلى.
قوله جلّ ذكره: { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }.
يعني عليها غَبَرةٌ العقوبة، خاوية على عروشها، ساقطة على سقوفها، مُنْهَدٌّ بنيانُها، عليها قَتَرةُ العِقاب.
والإشارة من دار الفاسقين إلى النُّفوس المتابعة للشهوات، والقلوب التي هي معادن المنى وفاسد الخطرات، فإنَّ الفِسقَ يوجب خرابَ المحل الذي يجري فيه؛ فمن جرى على نفسه فِسْق خربت نفسه. وآية خراب النفوس انتفاءُ ما كان عليها وفيها من سكان الطاعات، فكما تتعطل المنازل عن قطانها إذا تداعت للخراب فكذلك إذا خربت النفوس بعمل المعاصي فتنتفي عنها لوازم الطاعات ومعتادها، فبعد ما كان العبد يتيسر عليه فعل الطاعات لو ارتكب شيئاً من المحظورات يشق عليه فعل العبادة، حتى لو خُيِّر بين ركعتي صلاة وبين مقاساة كثيرٍ من المشاق آثر تحمل المشاقِّ على الطاعة.. وعلى هذا النحو ظلمُ القلوب وفسادُها في إيجاب خراب محالها.