التفاسير

< >
عرض

وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
١٥٦
-الأعراف

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ }.
نَطَقَ بلسان التضرع والابتهال حيث صَفَّى إليه الحاجة، وأخلص له في السؤال فقال: { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ } أي اهدنا إليك.
وفي هذه إشارة إلى تخصيص نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في التبري من الحول والقوة والرجوع إلى الحقِّ لأن موسى - عليه السلام قال: { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي .... } ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تكلني إلى نفسي طرفة عين" ولا أقلَّ من ذلك، وقال: "واكفلني كفالة الوليد" ثم زاد في ذلك حيث قال: "لا أحصي ثناء عليك" .
قوله جلّ ذكره: { إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ }.
أي مِلْنَا إلى دينك، وصِرْنَا لكَ بالكلية، في غير أَنْ نترك لأنفسنا بقية.
قوله جلّ ذكره: { قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }.
وفي هذا لطيفة؛ حيث لم يقل: عذابي لا أُخْلِي منه أحَداً، بل علَّقَه على المشيئة. وفيه أيضاً إشارة؛ أنّ أفعاله - سبحانه - غيرُ مُعَلَّلَة بأكساب الخلق؛ لأنه لم يقل: عذابي أصيب به العصاة بل قال: { مَنْ أَشَآءُ }؛ وفي ذلك إشارة إلى جواز الغفران لمن أراد لأنه قال: { أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ } فإذا شاء ألا يصيب به أحداً كان له ذلك، وإلا لم يكن حينئذٍ مختاراً.
ثم لمَّا انتهى إلى الرحمة قال: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } لم يُعَلِّقها بالمشيئة؛ لأنها نفس المشيئة ولأنها قديمة، والإرادة لا تتعلق بالقديم. فلمَّا كان العذابُ من صفات الفعل علَّقه بالمشيئة، بعكس الرحمة لأنها من صفات الذات.
ويقال في قوله تعالى: { وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } مجالٌ لآمالِ العُصَاة؛ لأنهم وإن لم يكونوا من جملة المطيعين والعبادين والعارفين فهم { شَيْءٍ }.
قوله جلّ ذكره: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }.
أي سأوجبها لهم، فيجب الثواب للمؤمنين من الله ولا يجب لأحدٍ شيء على الله إذ لا يجب عليه شيءٍ لعزِّه في ذاته.
قوله ها هنا: { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } أي يجتنبون أَنْ يروا الرحمة باستحقاقهم، فإذا اتقوا هذه الظنون، وتيقنوا أن أحكامه ليست معللةً بأكسابهم - استوجبوا الرحمة، ويحكم بها لهم.
{ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } أي بما يكاشفهم به الأنظار مما يقفون عليه بوجوه الاستدلال، وبما يلاطفهم به في الأسرار مما يجدونه في أنفسهم من فنون الأحوال.