التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً
٤
إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً
٥
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً
٦
-الإنسان

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً }.
أي: هَيَّأْنا لهم سلاسلَ يُسْحَبون فيها، { وَأَغْلاَلاً } لأعناقهم يُهانون بها، { وَسَعِيراً }: ناراً مستعرة.
{ إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً }.
قيل: البَرُّ: الذي لا يُضْمِرُ الشَّرَّ، ولا يؤذي الذَّرّ.
وقيل: { ٱلأَبْرَارَ }: هم الذين سَمَتْ هِمَّتهُم عن المستحقرات، وظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة فاتّقوا عن مُسَاكنةٍ الدنيا.
{ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ } رائحتها كرائحة الكافور، أو ممزوجة بالكافور.
ويقال: اختلفت مشاربهُم في الآخرة؛ فكلٌّ يُسْقَى ما يليق بحاله... وكذلك في الدنيا مشاربهُم مختلفة؛ فمنهم مَنْ يُسقَى مَزْجاً، ومنهم من يُسقَى صِرْفاً، ومنهم من يسقى على النُّوَب، ومنهم من يُسقى بالنُّجُب ومنهم من يُسْقى وحدَه ولا يُسقي مما يُسقى غيره، ومنهم مَنْ يسقى هو والقوم شراباً واحداً... وقالوا:

إن كنت من ندماي فبالأكبر اسْقِني ولا تَسْقِني بالأصغر المتثلم

وفائدة الشرابِ - اليومَ - أن يشغلهم عن كل شيءٍ فيريحُهم عن الإحساس، ويأخذهم عن قضايا العقل.. كذلك قضايا الشراب في الآخرة، فيها زوالُ الأرَبِ، وسقوطُ الطلبِ، ودَوَامُ الطَّرَب، وذَهَابُ الحَرَب، والغفلة عن كلِّ سبب.
ولقد قالوا:

عاقِرْ عقارك واصْطبِحْ واقدَحْ سرورَك بالقَدحَ
واخلع عذارك في الهوى وأَرِحْ عذولَك واسترحْ
وافرَحْ بوقتِك إنما عُمْرُ الفتى وقتُ الفَرَح

قوله جلّ ذكره: { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً }.
يُشَقِّقونها تشقيقاً، ومعناه أَن تلك العيون تجري في منازلهم وقصورهم على ما يريدون. واليومَ - لهم عيونٌ في أَسرارهم من عين المحبة، وعين الصفاء، وعين الوفاء، وعين البسط، وعين الروح.. وغير ذلك، وغداً لهم عيون.