التفاسير

< >
عرض

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ
٨
لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ
٩
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
١٠
لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً
١١
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ
١٢
فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ
١٣
وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ
١٤
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ
١٥
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ
١٦
أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
١٧
-الغاشية

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ }.
أي: مُتَنَعِّمة، ذات نعمةٍ ونضارةٍ.
{ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ }.
حين وَجَدَتْ الثوابَ على سعيها، والقبول لها.
{ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ }.
عالية في درجتها ومنزلتها وشرفها. هم بأبدانهم في درجاتهم، ولكن بأرواحهم مع الله في عزيز مناجاتهم.
{ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً }.
لأنهم يسمعون بالله؛ فليس فيها كلمةُ لغوٍ.
قومٌ يسمعون بالله، وقومٌ يسمعون لله، وقومٌ يسمعون من الله، وفي الخبر:
"كنت له سمعاً وبصراً فبي يَسْمَعُ وبي يُبْصِرُ" .
{ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ }.
أراد عيوناً؛ لأن العين اسم جنس، والعيون الجارية هنالك كثيرة ومختلفة.
ويقال: تلك العيون الجارية غداً لِمَنْ له - اليومَ - عيونٌ جارية بالبكاء، وغداً لهم عيونٌ ناظرةٌ بحُكم اللقاء.
{ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ }.
النمارق المصفوفة في التفسير: الطنافس المبسوطة.
الزرابي المبثوثة في التفسير: البُسُط المتفرقة.
وإنما خاطبهم على مقادير فُهومهم.
قوله جلّ ذكره: { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }.
لمَّا ذَكَرَ وصفَ تلك السُّرُورِ المرفوعة المشيَّدة قالوا: كيف يصعدها المؤمن؟ فقال: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟ كيف إذا أرادوا الحَمْلَ عليها أو ركوبها تنزل؟ فكذلك تلك السُّرُرُ تتطامن حتى يركبها الوليُّ.
وإنما أنزلت هذه الآيات على وجه التنبيه، والاستدلال بالمخلوقات على كمال قدرته - سبحانه.
فالقومُ كانوا أصحابَ البوادي لا يرون شيئاً إلا السماءَ والأرضَ والجبالَ والجِمالَ... فأَمَرهم بالنظر في هذه الأشياء.
وفي الإبل خصائص تدل على كمال قدرته وإنعامه جل شأنه؛ منها: ما في إمكانهم من الانتفاع بظهورها للحَمْلِ والركوب، ثم بنَسْلِها، ثم بلحمها ولبنها ووَبَرِها... ثم من سهولة تسخيرها لهم، حتى ليستطيع الصبيُّ أنْ يأخذَ بزِمامها، فتنجرّ وراءه. والإبل تصبر على مقاساة العَطَش في الأسفار الطويلة، وهي تَقْوَى على أن تحمِلَ فوق ظهورها الكثير َ من الحَمولات... ثم حِرَانُها إذا حقدت، واسترواحُها إلى صوتِ مَنْ يحدوها عند الإعياء والتعب، ثم ما يُعَلِّل المرءُ بما يناط بها من بِرِّها.