التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٢
-الفاتحة

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى: { الحمد لله رب العالمين } شكر نفسه للعباد لانه علم عجزهم عن شكره وايضاً ادب الخلق بتقدّم حمده امتنانه عليهم على حمدهم نفسه ولسان الحمد ثلاث لسان الانسانىّ ولسَانَ الرّوحانىّ الرَّباني اما اللسان الانسانى فهو للعوام وشكره بالتحدث بانعام الله واكرامه مع تصديق القلب باداء الشكر واما اللسان الرَّوحاني فهو للخواص هو ذكر قلب لطائف اصطناع الحق في تربية الاحوال وتزكية الافعال واما اللسان الربَّاني فهو للعارفين وهو حركة السرّ يصدق شكر الحق جل جلاله بعد ادراك لطائف المعارف وغرائب الكواشف ينعت المشاهدة والغيبة فى قرية واجتناء ثمرة الانس وخوض الرّوح فى بحر القدس وذوق الاسرار مع مبانية الانوار والحامدون في حمدهم لله بالتفاوتت لسانهم فى مقاماتهم ومقاصدهم واهل الارادة حَمِدوه بما نالوا من صفاء المعاملاتِ مقروناً بنور القرب واهل المحبّة حمدوه بما نالوا من انوار المكاشفات مقرونةً بنور صرف الصفات واهل المعرفة حمدوه بما نالوا من جمال المشاهدات ممزوجا بعلم الربوبيّة واهل التوحيد حمدوه بما نالوا من سناء خصائص الصفات وجلال فهم الذات مشوباً بنعت البقاء واهل شهود الازل بنعت الانس حَمدُوه بما لاح فى قلوبهم من نور القدس وقدس القدس وبما اَودَع الله ارواحَهم من اسرار علوم القدم وما افرد مواطن اسرارهم من غصن الابصار فى تعرض الحدثان عند حقائقها وما خصّها بكشف الكشاف فحمدهم بالبسط والرجاء والانبساط شطح وَحمُده فى الاصطلام والموخرس كما قال عليه السلام لا احصى ثناءً عليك فى قبضه عن تحصيل شكر روية القدم فلسان التحميد لأهل التفرقة ولسانُ الحمد في روية المحمود صفات اهل الجمع وقيل الحمد لله ما قضى وقدر بادراكٍ على ما هدى وحفظ على ما ارشدوا على ما اختاروا وقال ابو الوزير الركبى في قوله الحمد لله عن الله قال لو عرّفت ذلك عبدى لما شكرت غيرى وقال ابو بكر ابن ابى طاهر من خلق الله شيئاً من خلقه الا والههُ الحمد ثم جعل فاتحة كتابه وفرض عليهم في صلوته وقال ابن عطى الحمد لله معناه الشكر لله اذا كان منه الامتنان على تعليمنا ايّاه حتى حمدنا وقيل معنى الحمد لله أي بمعنى انت المحمود جميع صفاتك وافعالك وقيل الحمد لله أي لا حامداً لله الا الله وذكر عن جعفر الصادق في قوله الحمد لله قال من حمده فقال من حمد بصفاته كما وصف نفسه فقد حمده لان الحمد حاء وميم وقال فالحاء من الوحدانية والميم من الملك والدال من الديموميّة فمن عرفه بالوحدانية والديموميّة والملك فقد عرفه وقال رجل بين يدي الجنيد الحمد لله فقال له اتممها كما قال الله قل رب العالمين فقال له الرجل ومَن العاَلُمُوْنَ حتى يذكر مع الحق فقال قله يا اخى فان الحادث اذا قارن بالقديم لا يبقى له اثر قوله تعالى ربّ العالمين لانه اظهر نفسه عليهم حتى نالوا من بركاتهم ما هداهم الى معرفته فرباهم بها على قدر مذاقهم فربّى المريدين بشعشعة انوارهم ولوائح اسراره وربّى المحبّين بحلاوة مناجاته ولذّةِ خطابه وربّ المشتاقين بحسن وصاله وربّ العاشقين بكشف جماله وربّى العارفين بمشاهدة بقائة ودوام انسه وحقائق انبساطه وربّى الموحّدين برؤية الوحدانيّة والانانيّة في عين الجمع وجمع الجمع وقيل رب العالمين أي منطقهم بحمده وذُكِر عن ابن عطاءٍ ربّ العالمين أي مربي انفسُ العارفين بنور التوفيق وقولب المومنين بالصبر والاخلاص وقلوب المريدين بالصدق والوفاء وقلوب العارفين بالفكرة والعبرة وقال محمد بن على الترمذي عَلِمَ الله تواتر نعمه على عباده غفلتهم عن القيام بشكر فَاَوُجَبَ عليهم في العبادة له تكرّر عليهم في اليوم والليلة قَراءة الحمد لله رب العالمين فيكون ذلك قياماً بشكره وان يغفلوا عنه فَاَبوا ذلك وقال بعضهم ذكَرَ بسم الله ثم قال الحمد لله اعلم اَنَّ منه المبتدأ واليه المنتهى وقال الحادث المحاسِبىّ انّ الله بدأ بحمد نفسه فاوجب المؤمنين تقديم الحمد له في اول كل كتاب وكل خطبة وكل قولٍ حسن وهو احسنُ ما ابتدأ به المبتدى وافتتح مقالته وقال بعضهم من قال الحمد لله رب العالمين فقد قام بحق العبودية وبشكر النعمة وقال بعضهم ظهر فضل ادم على الكل بقوله حين عطس الحمد لله وقال الاستاذ مربّى الاشباح بوجود النّعمِ ومربى الارواح بشهود الكرم.