التفاسير

< >
عرض

الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ
١
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ
٢
إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
٣
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٤
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥
إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ
٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
٧
أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٩
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٠
-يونس

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ الۤر } الالف عين الوحدانية واللام عين الازلية والراء عين الربوبية من عين الوحدانية تجلى بالالف لقلوب الموحدين والمنفردين من الحدثان ليفنوا فى سبحات الالوهية وتجلى من عين الازلية باللام لارواح العارفين لتطيره باجنحة انوار القدم فى القدم وتجلى من عين الربوبية بالراء لاحرار المحبين ليستانسوا بحسن الصفات وليشتاقوا الى مشاهدات الذات سقى الموحين رحيق الانانية باقداح الالف من بحار الوحدانية فخرجوا بنعت الاتحاد وسقى العارفين عقار العشق باقداح اللام من انهار الجمال فخرجوا بنعت الاتصاف والهين وسقى المحبين مروق الوداد باقداح الراء من عيون انوا رالربوبية فخرجوا بنعت الحيرة هائمين وايضاً الالف الاؤه للصادقين واللام الطافه للمقربين والراء رحمته على التائبين قال الحسين فى القران علم كل شئ وعلم القرآن فى الاحرف التى فى اوايل السور وقد وقع لى ان ما يكون فى سورة يونس من الغرائب والعجائب والقصص والامثال جمعها فى ثلثة احرف فى الالف واللام والراء ونبه بها قلب نبيه صلى الله عليه وسلم باشارة الاحرف الثلثة فكفى له ذلك لان بينه وبين الله رموز او اشارات لا يطلع عليها جميع الخلائق فلذلك يحتاجون الى نزول سورة ك املة وايضاً خاطبه باحسن الاسماء مواساة وتربية اشار بالالف يا ادم الثانى لان الالف اول الحروف من ادم واشار باللام يا لطيف واشار بالراء يا رحيم كما قال يا طه ويا يس ويا ايها المزمل ويا ايها المدثر اى هذه الابناء ايات صفاتية ازلية التى كنت حكيماً وعالماً بما فى القدم والازل ايضاً اى تلك علامات ما الهمنا روحك فى الازل فتعرفك بها مكان خطاب الاول وبين سبحانه فى القرآن محكم بحكم الازلية وحجج البالغة بامر الربوبية والدعاء الى العبودية من فهمه صار حكيما بحكمته وقيل اى فيه علامات قبول الحكماء لهذا الخطاب وقيل الكتاب الحكيم العهد الناطق عليك باحكام الظاهر والباطن قال الاستادان هذا الكتاب هو الموعود لكم يوم الميثاق والاشارة فيه انا الصفر نسبح الشعر وغيره والعناج الخيط الذى يشد من اسفل الدلو حققنا لكم الميعاد وصفرنا لكم عناج الوداد وانقضى زمان اليعاد فالعصاة ملقاة والايام بالسرور متلقاه فبادروا الى شرب كاسات المحاب واستقيموا على نهج الاحباب خلفه لم يعرفوا موقع عناية الله وفضله واختياركم لبنيه نبوته ورسالته بقوله { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } واخبر ان هذه الخاصية من الله سبحانه له بان ينبه التوابين عن مشاهدة عظمته بعظيم بطنه وجلال قدره بقوله { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } ويبشر الصادقين فى ايمانهم بان وصاله لهم بنعت السرمدية بقوله { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ } اخبر عن اوائل كرمه وسوابق فهمه الصافى فى ارادتهم والمخلصين فى مقاصدهم ان لهم وصالا بغير حجاب وكشف جمال بغير عتاب وايضاً اى بشر العارفين ان لارواحهم فى مقام قدس جلالى وتجلى ازلى قدم المحبة وصدق اليقين بمشاهدة حين كشف جمال وجهى لها فى ميثاق الاول وصدق تلك القدام بوصف المحبة انها لا تزول عن محل الاستقامة فى العبودية وعرفان الربوبية وايضاً ما وصفت قدم الربوبية فى ايجاد الكونين الا بصدق محبتى لهم فى الازل وايضاً معنى الاية اولها تخويف بقوله ان الله انذر الناس اى خوف من نسينى طرفة عين بفوت حظ مشاهدتى وفراقى وصالى ثم بشر بلسان نبيه عليه السلام من كان جميع قلبه عملوا من حبه وصفا ذكره وايضاً الى البشر المريدين ايقنوا قربتى لهم وعنايتى لهم انهم وان اخطؤا بمباشرة هوى نفوسهم فى زمان فترتهم ان لا يقنطوا من فضلى ولطفى === فى سابق حكمى فان لهم عندى قدم صدق الارادة فى البداية ولا يحذر من كرمى ان اهدم صدق اقدامهم فى الارادات بل اوويهم بعناياتى الى قربى ووصالى واراعى عواقب امورهم حتى يكون اقدام الاواخر مستويات باقدام الاوايل قال ابو سعيد الخراز تفرق الطالبون عند قوله من طلبنى وجدنى على سبيل شئ اولهم اهل الاشارات طلبوه على ما سبق من قوة الاشارة وهم اهل قدم الصدق عند ربهم فبالقدم اشار اليهم فهم اهل الطوالع والاشارات حظهم منه ذلك وقال سهل سابقة رحمة اودعها فى محمد صلى الله عليه وسلم وقيل فى قوله ان انذر الناس اى ما يذهل قلوب الصادقين المنتبهين وقال النصرابادى فى قوله وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق القدم الصدق لم يبق له مقام الا وقد سلكه بحسن الادب لذلك ان قدم الصدق هو موضع الشفاعة للنبى صلى الله عليه وسلم وقال الاستاد قدم صدق ما قدموه لانفسهم من طاعات اخلصوا فيها وفنون عبادات صدقوا فى القيام بنقصها ويقال هو ما قدم الحق سبحانه لهم يوم القيامة من مقتضى عنايته بشأنهم وما حكم لهم من فنون احسانه وصنون ما افردهم به من امتنانه ثم وصف نفسه تعالى بالربوبية والالوهية تنزيهاً تربية لاسرار العارفين وتقديساً لقلوب الموحدين بقوله { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ } ثم بين اعلام الالوهية لترفيه فواد الموقنين بقوله { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } اخبر عن ترضيعه الملكوت بانوار الجبروت لاستبصار العاقلين وجعل ايام بناءها معدودة لاطفاء نيران عجلة الانسان والا هو مقتدر بقوة القدم ان يوجد الف الف سماء والف الف ارض باقل من لمحة ثم جعل العرش مرآة تجلى قدسه ويأوى ارواح احبائه بقوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } خامر انوار عظمة العرش وجعله ماوى انفاس الصديقين ومنتهى مسالك المريدين ثم اخبر انه تعالى يسهّل طريقه اليه لطالبته بقوله { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } يقدس الارواح العاشقة الصادقة طرق مشاهدته ووصاله من علة الحدثان ويصطفى قلوب العارفين بكشوف عجائب صفاته وانوار ذاته ثم بين انه مختار لولاية الاولياء بنفسه لانقاص من جهة الخلق وصلة الخليفة بقوله { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ } من يعطيه لسان الانبساط يسال ويشفع بعد انبساطه اليه والا كيف يكون للحادث عند القديم وزن ثم عرف نفسه بما وصف به نفسه لفهماء المعرفة والمربين بانوار المحبة بقوله { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } ثم دعاهم الى عبادته بعد معرفته بقوله { فَٱعْبُدُوهُ } اى اعبدوه بالمعرفة لانه خلق الخلق لعرفانه قال كنت كنزا مخفيا واجبت ان اعرف ثم جثهم بالتفكر والتذكر بقوله { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } اى افلا تخوضون فى بحار الافكار ليدركوا حقائق الاذكار وتبصروا بها حقائق الانوار وتنكشف لكم لطائف الاسرار قال بعضهم فى قوله يدبر الامر يختار العبد ما هو خير ان من اختياره لنفسه ثم بين سبحانه ان نفسه تعالى مرجع كل غريق فيه ومنجا كل خائف منه ومأوى كل هائم له ومآب كل اواب اليه ومقصد كل قاصد اليه ومطلب كل طالب له ومنتهى همة كل سيار فى اسفار نواله واباده بقلبه وروحه وسره اليه بقوله { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } كل صفة منه تعالى مراد كل مجذوب بنورها اليه من القدم الى الابد فمرجع العاشقين جماله ومرجع العارفين جلاله ومرجع الموحدين كبرياؤه ومرجع الخائفين عظمته ومرجع المشتاقين وصاله ومرجع المحبين دنوه ومرجع اهل الفناء ذاته انوار ذاته اوطان ارواح القدسية وانوار صفاته مزار قلوب الوالهة وانوار افعاله مقر عقول الهائمة تعالى جلاله عن علة الحدثان والاكوان والحدثان يرجع الى مصرف وجود القدم لانها بدت منه واليه يعود وهو مقدس بعظمته عن ان يكون محلا للحادث وتصديق ذلك بيانه فى اخر الاية { وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } ابداهم من العدم بتجلى القدم ثم يفينهم بقهر سلطان غيرته ومرجعهم الى معدن الاول ثم يعيدهم رحمة وشفقه ليجاز العارفين بكشف جماله بقوله { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ } اى يجزى الذين شاهدوا بقلوبهم مشاهد الملكوت بكشف جمال الجبروت ويجازى الذين اصلحوا سرائرهم لنزول انوار مجازيهم بمداناة وصاله يا اخى من رجع من سفر البعاد الى قرب محبوبه يفرح المحبوب بمقدمه ويعطى نفسه لمريده وزائره فانه سبحانه يكشف نقاب الغيرة عن جمال مشاهدته لكل اواب اليه

ايا قادماً من سفرة الهجو مرحباً ايا ذاك لا انساك ما هبت الصبا

قال الجنيد فى قوله اليه مرجعكم جميعاً منه الابتداء واليه الانتهاء وما بين ذلك مراتع فضله وتواتر نعمه فمن سبق له فى الابتداء سعادة اظهر عليه فى مراتعه وثقلته فى نصه باظهار لسان الشكر وحال الرضا ومشاهدة المنعم ومن لم يجر له سعادة الابتداء ابطل اسامه فى سياسة نفسه وجمع الحطام الفانية ليرده الى ما سبق له فى الابتداء من الشقاوة قال الله اليه مرجعكم جميعاً فالراجع بالحقيقة اليه هو الراجع مما سواه اليه فيكون متحققا فى الرجوع اليه قال الاستاد الرجوع يقتضى ابتداء الارواح قبل حصولها فى الاشباح كان لها فى مواطن التسبيح والتقديس اقامة والغايب اذا رجع الى وطنه من سفره فلقدومه اثر عند مجيبه وذوية ويقال المطيع اذا رجع الى ربه فله الحسنى والثواب والزلفى والعاصى اذا رجع الى ربه بنعت الاخلاص وخسران الطريق فيلقى لباس الغفران وحلة الصفح والامان ورحمة مولاه خي رله من نسكه وتقواه قال تعالى وعد الله حقا فموعود المطيع الفراديس الاعلى وموعود العاصى الرحمة والرضا والجنة لطف الحق فالرحمة وصف الحق فاللطف فعل لم يكن ثم حصل والوصل نعت لم يزل وقال الاستاد فى قوله انه يبدؤ الخلق ثم يعيده من كان له فى جميع عمره نفس على وصف ما ابتداء الحق به ففى الاشارة يكون له اعادة ولقد انشد قائلهم

كل نهر فيه ماء قد جرى فاليه الماء يوماً سعود

ثم وصف الله تعالى نفسه بالقدرة الكاملة والارادة القائمة بتنوير العالم بنوره ومن بذلك على عباده بقوله { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ }وجعل شمس الذات ضياء للارواح العارفة فبصرت بها عيون الازال والاباد وجعل قمر الصفات نور القلوب العاشقة فنظرت به شمايل اخلاق الجمال والجلال فالارواح فنيت بصولة الذات فى عين الذات والقلوب بقيت المشاهدة الصفات فى عين الصفات فشمس الذات غير محجوبة فى جميع الاوقات عن بصائر الارواح لذلك عاينتها ولا غابت عنها لانها مقام التوحيد والمعرفة ان شمس النهار تغرب بالليل وشمس القلوب ليست تغيب وقمر الصفات يبدو للقلوب فى اوقات بسطها ويخفى فى اوقات قبضها ولذلك صارت القلوب فى التقلب فى انوار الصفات فكما خفى القمر فى شعاع الشمس ويزيد وينقص كذلك حالات القلوب فى خفايا الصفات وظهورها فلقمر الصفات فى قلوب المحبين منازل من المداناة لظهور المواجيد والحالات ولبيان اعداد الانفاس التى لا ينبغى لها ان تجرى الا باجتماع همم المعرفة وصفا المحبة والاحاطة باوقات الواردات العينية وهذا معنى اشارة قوله ليعلموا عدد السنين والحساب قال بعضهم الشموس مختلفة فشمس المعرفة يظهر ضياؤها على الجوارح فيتزينها === الخدمة واقمار الانس تقدس الاسرار بنور الوحدانية والفردانية فتدخلها فى مقامات التوحيد والتفريد === بعضهم جعل الله شمس التوفيق ضياء الطاعات للعباد وقمر التوحيد نوراً فى اسرارهم فهم يتقلبون فى ضياء === ونور التوحيد الى منازل الصديقين ثم زاد سبحانه ذكر اعلام شواهد ملكوته وانوار جبروته للمؤمنين بقوله { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } جعل الليل فأوى انس العارفين وجعل النهار مواضع نزهة الصديقين اظهر فى لباس الليل انوار العظمة وابرز من مرآة النهار انوار مشاهدة الجمال والجلال وجميع ما خلق من العرش الى الثرى مرائى لطغيانه تبرز منها لاهل الهيبة والوجل انوار صفاته ليله قبض قلوب العارفين ونهاره بسط فواد المحبين وما بينهما بين سماء الارواح وارض القلوب اشكال الاحوال من المكاشفات ولا يراها الا المتقى عما دونه من الحدثان قال الاستاد النهار وقت حضور اهل الغفل فى اوطان كسبهم والليل وقت ارباب الوصلة بانفرادهم شهود ربهم قال قائلهم

هى الشمس الا ان للشمس غيبة وهذا الذى تعنيه ليس يغيب

وقال الليل لاحد الشخصين اما للمحبين فوقت النجوة واما للعاصين قلبت الشكوة ثم وصف الله من لا نصيب له مما ذكرنا من رؤية شواهد الغيب ولاحظ له من رؤية الايات بقوله { إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } اى لا يخافون فراقنا ولا يرجون وصالنا ثم ذكر علة قلة رجائهم وخوفهم بقوله { وَرَضُواْ بِٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } اى لايثارهم حيوة الفانية على حيوة الباقية ثم ذكر سبب ذلك لانهم غفلوا عن رؤية انوار الصفات فى مرات الايات بقوله { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } قيل لا تخافون الموقف الاعظم يوم تبلى السرائر وتظهر الخفايا نرضوا بالحيوة الدنيا ركنوا الى مذموم عيشهم واطمأنوا بها نسوا مفاجات الموت والذين هم عن اياتها غافلون تقليب القلوب وعقوبات الجوارح ثم وصف اهل خالصته من الصادقين الذين سبقت لهم منه الحسنى فى الازل بالعناية الى الابد بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } اى الذين عائنوا الحق فى عهد الاول بعيون المخحبة وكنسوا غيار الحوادث من طريق المعرفة يهديهم ربهم بذاته الى صفاته وبانوار صفاته الى جلال ذاته بايمانهم يعنى بما سبق لهم فى الازل من هداية الله فى علم الله ثم بين انهم فى جوار جماله ومعانيه لقائه حيث افاض عنهم بركات شهودهم الى اهل القرابات بقوله { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } هم فى جنات المشاهدات تجرى من تحت عيون ارواحهم انهار المعارف واسرار الكواشف قال ابن عطا تظهر عليهم بركات اقتدارهم عند ايجاد === بقوله بل فمن بركاتها لزوم الفرايض واتباع السنن وتحقيق الايمان وتصحيح الاعمال ثم ان الله سبحانه وصف المشاهدين جماله انهم اذا ارادوه هيجهم نعم المشاهدة وراحة الوصلة اذا ثناء جلاله فاغارهم انوار سطوات العزة وسجلت العظمة ولايهيا لهم فى ثنائه الا العجز عن ثنائه فيؤول حالهم فى الثناء الى انهم جمعوا خصائص صفاته فى نعت التنزيه بقوله { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ } وهذا حال سيد المرسلين صلوات الله عليه حين عاين الحق وقال لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك ثم عرفهم مكاره نعمه عليهم من تعريف نفسه فيقولون { ٱللَّهُمَّ } اى انت الهنا وبك عرفناك ونزهناك سبحانك اللهم ثم وصف تحيتهم بانهم يبدون باسم السلامة بقوله { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } بان سلموا من خوف حجابه واليم فراقه يبرئ بعضهم بعضا من وصمات النفسانية والشيطانية يتبرى الحق وتنزيهه عن الحوادث بانه تعالى سمى نفسه بالاسلام والسلام المبر من الحوادث تحيتهم هناك تنزيهه فلما عرفوا حقائق نعمة التى ادركوها بغير علة الاكتساب اثنوا على ربهم ومدحوه به لا بهم بقوله { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } اخر ذكرهم مدحه تعالى حيث مرجوا ان ما نالوا منه نالوا بفضله الامن لى واواصطفائيته القديمة قال ذو النون فى قوله دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام مقام المحققين من العارفين التنزيه والتبرى من جميع ما لهم من انواع الاقوال والافعال وغير ذلك والرجوع الى الحق على حد التنزيه له ان يقصده احد بسبب او يتحبب اليه بطاعة او يعمل كلا الا لظهار سعادة الازل على السعداء وسماة الشقاوت على الاشقياء وقال الشبلى فى قوله واخر دعوائهم ان الحمد لله رب العالمينلو الهموا حمد الحق فى اوايل الانفاس لسقطت عنهم الدعاوى لكنهم لم يزالوا يركضون فى ميادين جهل الى ان فتح لهم طريق الحمد فلما فتح لهم طريق الحمد سقط عنهم الدعاوى فرجوا الى رؤية المنة فكان اخر دعواهم ان قالوا الحمد لله رب العالمين فرضوا الكل اليه ورجعوا بالكلية فانطلقهم لما ان\لقهم به من المنطق المحمود وقد وقع لى بعد قول شاه العارفين رحمة الله عليه وقدس الله روحه ان القوم لما خرجوا من رؤية علل الحوادث وعرفوا فى بحار الذات والصفات ارادوا ان يثنوا عليه بما رأوا منه من عجائب انوار الصفات واسرار الذات فما وجدوا اثنائه عليه الا من تعريفه اليهم فوجدوه المنعم عليهم فى جميع ما وصفوه به فلا يكون لهم موضعا من ثنائه الا الحمد لتائيده لهم فان منتفى قول الوصافين صفاته العجز عن البلوغ الى حقائق ثنائه ولا يتعرض لهم بعد ذلك الا الحمد ثم العجز عن الحمد عن الخجل فى المحمود القديم.